نعم .. أرى سوداناً مختلف الملامح !!

0 53

كتب: فضيلي جماع

.

يحدّثنا التاريخ أنّ محصلة الثورات الكبرى تعني الإنقلاب والتحوّل صعداً في مصير الشعوب التي تنجز تلك الثورات. فالثورة الفرنسية نقلت فرنسا من حكم ملكي إقطاعي إلى دولة ترفع شعار الإخاء والمساواة. وطبعا لم يحدث ذلك بين يوم وليلة. استغرقت الثورة الفرنسية عشر سنوات (1789 – 1799) من المد والجزر والعنف الذي أودي بالمئات. لتهبّ رياح التغيير بعدئذ على معظم دول أوروبا ومساحات أخرى من عالمنا.

إنّ الثوري الحقيقي هو من يتسلّح بالحل وبالوعي.. أقول الحلم لأن شرارة الثورة تبدأ في أعماق كل ثائر بالحلم بنسف واقعه البائس وإبداله بعالم أكثر براحاً في العيش والحرية. إنّ الثورة توأم الحلم. والشخص الذي لا يحلم بتغيير وهندسة العالم وفق نظام إنساني عادل لا يمكنه أن يصنع ثورة. يجدر أن نقول بأن ثورة ديسمبر لم تنطلق في يوم التاسع عشر منه. تلك كانت الموجة الأخيرة من حلقات تطور الثورة السودانية والتي دفع شعبنا بمقتضاها كواكب من الشهداء روت دماؤهم أرض بلادنا الحبيبة. فكان لابد من ميلاد جيل ثائر يستلم الراية وعينه على المستقبل. جيل الثورة الذي صارع نظام القمع الإسلاموي في تظاهرات طلاب وطالبات الجامعات وفي الحركات الثورية المسلحة، عطفاً على انتفاضة سبتمبر 2013 حتى قوي ساعده في الهبة الأخيرة في ديسمبر 2018م. وقد كانت ثورتنا أكبر من توقعات أكثر المحللين السياسيين براعة في العصور الحديثة. ولأننا كنا نصارع وحش الطغيان بسواعد ترفع شعار الحرية والسلام والعدالة ، ولأن الثورة اختارت السلمية في مواجهة فوهة البندقية والاستبداد فقد ظل العالم يراقب على استحياء تلك المعادلة شبه المستحيلة. وأكثر المراقبين لنا على استحياء وتوجس أنظمة تشاركنا الجغرافيا وربما الثقافة واللغة. بل عملت تلك الأنظمة – وما تزال تعمل – على إجهاض حتى لا تصاب بعدواها. لكن شعبنا قرر أن يحقق الحلم ، فكان الشباب (فتيات وفتياناً) يرفعون شهداءهم وجرحاهم وهم يهتفون: سلمية، سلمية! والعالم من أقصاه إلى أدناه يتفرّج في أمة وضع الطغاة والقتلفة حنجرتها في الحبس لثلاثين سنة.. وحولوها من أمة تتطلع أن تكون سلة غذا ء العالم إلى دولة فاشلة ترعى الإرهاب وتقوم بتصديره. دولة (معلمة الله) كما يقول مثلنا الدارج ، لكنها لا تستحي أن تغسل أدمغة الشباب ، فينشدون أهازيج الخيبة من نوع (أمريكا قد دنا عذابها).. دولة تشن حرباً جهادية على مواطنيها.. وتعد قتلاها من الشباب بالحور العين وتقيم لهم ما أطلقوا عليه (عرس الشهيد) دون مراعاة لقدسية الموت ومرارة حزن من فقدوا أبناءهم. كان هوساً دينياً وكراهية للآخر المختلف فاق الحد.

كان لابد من ميلاد جيل جديد يسعى لوطن يسع الجميع. جيل يبشر لوطن يتساوى الكل تحت سمائه في الحقوق والواجبات. وحين جاء ذلك الجيل وأشرقت معه شمس ثورة ديسمبر ، عرف العالم كله أن ثورة جديدة قد أشرقت شمسها في السودان . وأنّ هذا الشعب الأسمر قد أعطى أملاً لكل الشعوب المضطهدة أن ميلاد دولة الحرية والعدالة والمساواة ليس حلماً مستحيل التحقيق، لكنه يتطلب ثورة وقودها الشهداء والجرحى ونبراسها الوعي!

خاتمة: دعاني لكتابة هذه الخاطرة ثلاثة إنجازات لها دلالتها الإيجابية في مسيرة شعبنا رغم المؤامرات صوب الدولة المدنية. أولها إحتفاء السودان بسداد مديونية صندوق النقد وحصوله في ذات اليوم على منحة (وليس قرضا كما يقول المغرضون) بأكثر من مليارين من الدولارات. وثانيها : لم تكد تطلع شمس اليوم التالي حتى حدث اختراق في ملف السلام الشامل ادهش العدو قبل الصديق، وذلك حين تم التوقيع على اليوم برتكول محادثات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو. وقبل أن يتوارى اليوم عمت الفرحة كل سوداني في الداخل والخارج بانتصار لصقور الجديان في تصفيات بطولة قارتنا العذراء في كرة القدم للعام 2022 في دولة الكاميرون الشقيقة. ومبعث الفرح هو أننا صمنا عن مثل هذه المنافسات مثلما صمنا عن المشاركات في احتفالات أممية كثيرة قبل أن تنجز حكومة الثورة استحقاق رفع إسمنا من قائمة الدول الراعية للإرهاب فنعود لنحتل مقعدنا بين أمم الأرض التي تحلم بعالم الحرية والإخاء والمساواة. عالم ينبذ الحروب والمجاعات والموت المجاني الرخيص.

وعلى الرغم من كل ما تقوم به القوى المضادة لثورة شعبنا ، لكنه يمضي قدماً وبثبات يوغر صدور الحاقدين . من حقي إذن أن أحلم ..

لأني أرى سوداناً مختلف الملامح!

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.