هل العالم الذي نعرفه يتصدع؟
كتب: د. النور حمد
.
هناك احتمال، ولو كان ضئيلا، ألا يستمر العالم الذي عرفناه ونعرفه، على ما هو عليه، في الشهور القليلة المقبلة. ولهذا الاحتمال، رغم ما يمكن أن يدور حوله من جدل، مؤشراته. الشاهد، يوجد حاليا مؤشران رئيسان يشيان باحتمال حددوث هزة ضخمة غير مسبوقة في حياتنا المعاصرة، وهما: فيروس كورونا الذي أخذ يضيق الخناق على نمط الحياة العادية الذي ألفناه منذ بزوغ فجر الحداثة، ومنذ نشوء الديموقراطيات التعدديات. وكذلك الاختبار العسير الذي ينتظر الديموقراطية الأمريكية، في الأسابيع المقبلة. فالرئيس الأمريكي، المنتهية ولايته، دونالد ترمب يحاول بكل السبل البقاء في سدة الرئاسة. فهو لم يعترف، حتى الآن، اعتراف صريحا بفوز الرئيس المنتخب جو بايدن. هذا على الرغم رفض المحاكم الأمريكية لكل الطعون التي تقدم بها، زاعما أن تزويرا جرى في الانتخابات، به تقرر أن بايدن هو الفائز، في حين أنه هو الفائز. وهذا هو ما ظل يردده منذ إعلان النتيجة.
أوردت قناة MSNBC، الداعمة للحزب الديمقراطي، أن الرئيس ترمب ربما يكون يعد لإعلان ما يسمى martial law، أي قانون الأحكام العرفية، الذي يعلق كل أنشطة الحياة المدنية، ويجعل الجيش هو الآمر الناهي. ويبدو أن إقالة ترمب لوزير الدفاع، في آخر شهر له قبل انتهاء ولايته، وكذلك استقالة النائب العام، إنما كانتا بسبب رفضهما اقتراحه بفرض الأحكام العرفية. لقد صوت لترمب أكثر من 70 مليون ناخب، وفي هذا دليل على أن شعبيته ضخمة، رغم خسارته. وقد سير أنصاره، قبل حوالي أسبوعين، تظاهرات في العاصمة واشنطن احتجاجا على نتيجة الانتخابات، شهدت بعض أعمال العنف.
يبدو أن خطة ترمب واليمين المتطرف العمل على إحداث أعمال شغب وعنف، واسعة النطاق، في الخامس من يناير، موعد الإعلان الرسمي بفوز بايدن. ويبدو أن ترمب يرى أن إحداث فوضى وعنف واسعي النطاق سوف تمنحانه تمنح حق فرض الأحكام العرفية. ويتوقع ترمب، فيما يبدو، أن تتدخل المحكمة العليا، المكونة من قضاة معروفين بمحافظتهم وميولهم إلى الحزب الجمهوري، لإلغاء نتيجة الانتخابات، ليبقى ترمب في سدة الرئاسة لدورة ثانية، درءا للفتنة وللانشقاق المجتمعي الحاد، المتسم بالعنف. غير أن المحاكم الأمريكية، بما فيها المحكمة العليا نفسها، رفضت قبل أيام طعونه المتعلقة بتزوير الانتخابات. وكان ترمب قد عين اثنين من القضاة المعروفين بميولهما المحافظة عقب موت قاضيين من قضاة المحكمة العليا، ليضمن لنفسه وقوف المحكمة العليا إلى جانبه في حالة نشوب نزاع. ويبدو أن ترمب قد بدأ يستعد لمجابهة احتمال خسارته الانتخابات، منذ فترة طويلة. ويؤشر هذا الاحتقان الحاد، أن الديموقراطية الأمريكية تواجه الآن، بسبب وصول شخص بنزق وشوفينية ولا أخلاقية دونالد ترمب الى دست الحكم، أعسر اختبار تواجهه في تاريخها. فإذا حدث وأن اهتز النظام الأمريكي وتصدع نتيجة لحرص ترمب على البقاء في السلطة، بسبب ذاته المتضخمة، وتجنبا للقضايا العديدة التي يتوقع أن تنتظره في المحاكم، فإن تداعيات ذاك التصدع ستنعكس على العالم برمته.
الأمر الآخر هو فيروس كورونا الذي أخذ يفاجئ الناس بتحورات جديدة. فقد أعلنت بريطانيا عن تحور جديد للفيروس، جعله أكثر شراسة وأكثر قدرة على الانتشار. وقد دفع هذا بدول أوروبية إلى إيقاف حركة الطيران بينها وبين إنجلترا. بل تردد في الأنباء إن الفيروس بدأ في الظهور فعلا، في بلدان أخرى في غرب أوروبا. معضلة دونالد ترمب ومعضلة الكورونا اللتان تشيان باحتمال حدوث تصدع غير مسبوق في نمط الحياة التي ألفناها، ربما تكونان قد حدثتا في هذا التوقيت مصادفة. وربما تكون أن نتيجة لتدبير وتخطيط طويل الأمد، من جانب ما يراها البعض حكومة سرية، ظلت منذ قرون ترسم للعالم وجهته التي تجعل الجميع خاضعين لمركز واحد. وقد بدأ كثيرون يقولون إن فرض لبس الأقنعة الواقعية، والحث على التباعد الاجتماعي، وانهيار الأعمال التجارية الصغيرة لصالح المؤسسات الضخمة، وفقدان الملايين لوظائفهم. والدعوة لانهاء استخدام العملة الورقية واستبدالها ببطاقات الدفع الإلكتروني. وانتظار العون المالي من الدولة، واحتمال فرض أخذ لقاح على الجميع، لم تعرف آثاره الممتدة بعد، تقود كلها، إلى خلق قطيع واحد مطيع، في طول الكوكب وعرضه. أو على الأقل في جزء كبير مؤثر منه. عموما، يبدو أن علينا أن نستعد لمجابهة تغير صورة العالم في أخلادنا. وهي صورة سبق أن بنينا عليها أحلامنا وآمالنا وتطلعاتنا. فربما نصبح غدا ونجد أنفسنا في عالم جديد تماما، لا نعرف عنه شيئا. لذلك، علينا ربط الأحزمة جيدا، أذ يبدو أن ليل العام 2021 سيكون ليلا طويلا، مليئا بالمطبات الهوائية.