( هل تفكك الدولة الموازية نفسها؟ )

0 53

.

   (3 – 3)

الدولة الموازية خطة نفذها نظام الرئيس البشير، ضمن نهجه اللا أخلاقي الذي هدف إلى ترسيخ أركان النظام الكليبتوقراطي اللصوصي الذي استهدف سرقة الموارد بصورة ممنهجة بعيدًا، عن عين أجهزة الدولة الأم. وقد نبه الأكاديمي والباحث الاقتصادي الدكتور خالد التجاني النور، في السنوات الأخيرة من عمر نظام الإنقاذ إلى أن أكثر من ثلاثة أرباع الكتلة النقدية في البلاد تدور خارج الجهاز المصرفي. ورثت البلاد هذه الدولة الموازية عقب الثورة المجيدة وأصبحت بحكم طبيعتها،وغرضها الذي تأسست من أجله، آليةً مجهضة لأهداف الثورة. هي مجهضة لأهداف الثورة ومعوقة لمجريات الفترة الانتقالية، سواءً قصد القائمون على أمرها ذلك، أم لم يقصدوه. يضاف إلى ذلك،تمارس قوى الثورة المضادة في ظل هذا الوضع، اصطفافاتها المخاتلة وصيدها في الماء العكر. والثورة المضادة، فيما أرى،تشمل جزءًا من المكون العسكري، وجزءًا من الأحزاب التي تدعي أنها مع الثورة، إضافة إلى منتسبي النظام المدحور بجميع فئاتهم.

لكن لا يمثل كلُّ ما تقدم رصده، كلَّ شيء. فهناك قوى وتوجهات أخرى لا تقل أفعالها إضرارًا بمسار التعافي المؤسسي،وجهود تصحيح وضع الدولة الموازية. من ذلك، اللا شفافية التي اتسم بها أداء قوى الحرية والتغيير، وابتعادها المتنامي عن نبض الشارع. يضاف إلى ذلك، ضعف أداء حكومتها التي أتت بها وحالة الغياب التي غرقوا فيها. إلى جانب كل ذلك، هناك أيضًا الحركات المسلحة التي أسهمت في أن يسيطر الضجر على نفوس الجماهير وأن تدب فيهم روح اليأس، بسبب استطالة أمد المفاوضات وتعثرها. إلى جانب ذلك، انحصار هم المتفاوضين في المحاصصات وفي مغانم الفترة الانتقالية، خصمًا على بث روح الأمل في الناس، والسعي إلى تحقيق أهداف الثورة الكبرى في التحول الديموقراطي. لقد تعطل تعيين الولاة المدنيين بهذا السبب وتأخر إنشاء المفوضيات أيضًا. كما عطلت قوى الحرية والتغيير قيام المجلس التشريعي بسبب سيطرة عقلية المحاصصات هذه، وبسبب تراخي قوى الحرية والتغيير في حسم هذه النقطة.

هذه هي صورة المشهد المتشظي الذي يسهم بالضرورة فتترسيخ عقيدة العسكريين القديمة التي وقفت وراء كل الانقلابات العسكرية التي أكلت 52 عامًا من عمر استقلال البلاد، وانتهت بالبلاد إلى حالة الفشل والضعة التي نراها بها اليوم. تتلخص عقيدة العسكر الراسخة في أن المدنيين لا يصلحون للحكم. وللأسف فإن سلوك المدنيين يقدم للعسكر مزيدًا من الشواهد لكي يظلوا على عقيدتهم تلك. فالمدنيون بأنانيتهم وتمركزهم حول مصالحهم الذاتية والجهوية الضيقة، يؤكدون باستمرار للعسكريين بأنهم ليسو أهلاً للحكم. هذا الوضع المعقد والشائك يحتاج نقاشًا شفافًا في الهواء الطلق. ولا بد أن يكون نقاشًا في الفضاء العام. فنخبنا المدنية والعسكرية لا تزال أسيرة لاتخاذ القرارات خلف الأبواب المغلقة. وفي تقديري أن الجنوح إلى الإخفاء، من قبل العسكريين والمدنيين، على السواء، أمرٌ يقف وراءه شعور بالإثم. وكما قيل قديماً: “يكاد المريب أن يقول خذوني”. حالة التوازي والتباعد الراهنة التي ظهرت في خطاب حمدوك وهو يخاطب عامة الشعب من جهة، وفي خطاب البرهان وهو يخاطب القوات المسلحة من الجهة الأخرى، وضعٌ يتحتاج إلى تفكيك عبر وساطة تذلل حالة التوازي القائمة هذه. فهذه حالة بالغة الخطورة على مستقبل الثورة ومستقبل البلاد أيضًا. فهل نحلم بأن يضع الجميع بطاقات اللعب، جميعها، فوق الطاولة ليصبح الحوار الشفاف نهجًا لمقاربة إشكالاتنا؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.