هل خرب الشيوعيون والإخوان سوبا وحدهما أم معهم المستقلون ثالثهم؟

0 79
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
من أكثر المفاهيم شيوعاً أن صراع الإسلاميين والشيوعيين هو سبب نكبة السودان. وهي من الفطريات في خطابنا السياسي لم نخضعها لمبضع علم السياسة مثلها مثل أنه كان بوسعنا أن نكون أول أفريقيا وارتضينا أن نكون طيش العرب. يا سلام سلم. ولا ينكر أحد أن الجماعتين اصطرعتا صراعاً غردونياً شديداً. ولكن صراعهما اشتبك مع قوى أخرى عادة ما جري اهمال ذكرها. ومن هذه القوي جماعات المستقلين مع حفظ الألقاب التي نشأت متزامنة مع الإسلاميين والشيوعيين وتركت بصمة لا تندمل أيضاً على خارطة السياسة. ومعلوم أنها نجت من الوصم ب”العقائدية” كما وُصِم الشيوعيين والإسلاميين لأنها زعمت خلو طرفها منها خلوا جعلها تفكر بواقعية خارج صندوق الأيدلوجية. وهذا زعم لم يثبت كثيراً. فكانوا في مطلع نشأتهم اتحاديون أزهريون. ومتي تخرج الواحد منهم من الجامعة صار اتحادياً مثل موسى المبارك وعبد الله أحمد عبد الله . وما برزت الاشتراكيات العربية والأفريقية حتى اعتنقوها بليل. فأصبحنا يوما في الستينات الأولى فإذا بتنظيم المستقلين صار المؤتمر الديمقراطي الاشتراكي بقيادة حسن عابدين ومحمد نوري الأمين وإسماعيل حاج موسى وهاشم التني. ثم خرجت الجبهة الاشتراكية منافساً لهم وفيها عمر الصديق وعوض الكريم محمد أحمد وغازي سليمان وعبد الرحمن إبراهيم. وجاء من بعدهم جيل تمركزت فيه حركة المستقلين وتأدلجت ب”المركز والهامش” على سنة محمد جلال هاشم حتى صارت المؤتمر السوداني الحي موجود دا.
لا تجد من يذكر هذه الطاقة السياسية للمستقلين مع حفظ الألقاب متي عبنا الممارسة السياسية. فهم ليسوا براء من المساءة السياسة وحسب بل هم براء مع سبق الإصرار والتخطيط. فلوم الشيوعيين والإسلاميين على خربطة السياسة لعقائديتهما المضللة هي ما أذاعه المستقلون عنهما وشالت. وقَوّاهم على عقيدة أنهم “قادين” أيدلوجية دمغ الشيوعيين لهم في أول نشأتهم “بالبيبسي كولا” بمعنى أنهم بلا ذوق عقائدي كالمشروب الأمريكي الوافد. وأسعدهم هذا. فهم أيديولوجيون كما تقدم لكنهم، كما نقول، منها وباري (بريء) منها.
إذا كان انقلاب مايو ودولته لأحد فهو انقلاب المستقلين ودولتهم. وهذه حقيقة ذلك الانقلاب والدولة أكثر من أنهما للشيوعيين. فزار الشيوعيون مايو لنحو عامين وخفوا. أما المستقلون فبقوا وخرجوا منه يوم خرج من الحكم غير مطرود. وأقاموا في المايوية دولة تحالف الشعب العامل الاشتراكية التي قدوتها مصر وغانا وتنزانيا. ورسم خارطة تلك الدولة منصور خالد في كتابه “حوار مع الصفوة” الذي تأخر صدوره ككتاب إلا أنه نشر مقالاته في الصحف في ١٩٦٥ و١٩٦٦. ففيه “بصق” دولة مايو كما نقول. فهي دولة أسقطت البرلمانية الغربية فلا تستقل فيها سلطات الدولة الثلاث بل تتدامج لتركبها السلطة التنفيذية الرئاسية. ومن ذلك قيامها على حزب واحد (يسمونه التنظيم الفرد والفرد رب العالمين) وهو الاتحاد الاشتراكي. ومن صور تدامج سلطات الدولة الثلاث عضوية رئس القضاء وقائد الجيش ورئيس البرلمان مكتب الحزب السياسي الفرد. بل طوى الحزب الفرد السلطة الرابعة، الصحافة، تحت جناحه بالتأميم. وطوى كذلك النقابات بزعم أن قضية التنمية قضية قومية لا تقبل الخلاف ولا الإضراب. واحتكر الدولة تنظيم الشباب والنساء والكتاب من عل. بل وأممت الهلال والمريخ باسم الرياضة الجماهيرية. فإذا لم تخرج دولة مايو من صندوق أيدلوجي من مقاس صندوق الإسلاميين والشيوعيين فما هي.
يتحمل الشيوعيون دون المستقلين وزر مايو عند الناس. ويستأهلوا لأنهم لم يمايزوا ما فعلوه في سنتيهم العاصفتين في مايو عن ما فعله الآخرون. فهم ينكرون أن قاموا بهذا الخرق أو ذاك من خروق مايو. وبس. فلم يحققوا إلى يومنا مثلا في من قام بتطهير طائفة من صالحي علماء جامعة الخرطوم في بداية مايو. أذكر أنه صدر في وقتها بيان من تنظيم الأساتذة الاشتراكيين احتج فيه على عدم مشورته قبل اصدار القرار. وأنا شاهد على ذلك كعضو يافع فيه. ومهما كان من بؤس احتجاج الشيوعيين إلا أنهم ولتاريخه لم يحققوا في من ارتكب التطهير وزاغ وترك لهم ذنبه. ومعلوم أن تنظيم الأساتذة الاشتراكيين انقسم في باكر مايو فغادره مستقلون وغيره وتبقى الشيوعيون والدمقراطيون. وأذكر للتاريخ من المغادرين عبد الوهاب بوب وعبد الواحد عبد الله وأحمد عبد المجيد وغيرهم. ولست اتهمهم بالتطهير إذ كان للقوميين العرب نفوذ معلوم في مايو. بل كان بابكر عوض الله وحده ماكينة تفريخ تطهير. ومرقوا منها جميعاً ورموها فوق البشيل فوق الدبر ما بميل.
مقولة إن الشيوعيين والإخوان خربوا سوبا غير دقيقة. للمستقلين حظ كبير في ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.