هل صوت المرأة عورة في فقه الحركة الشعبية؟

0 59
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
كتبت هادية حسب الله باسم جماعة “حارسات” تحتج على ضعف تمثيل النساء في التشكيلة الوزارية الجديدة بما يخالف الوثيقة الدستورية واتفاق جوبا للسلام معاً. وحسب قراءتي لا أعرف أن الوثيقة حددت نسبة مئوية لتمثيل النساء في مجلس الوزراء في حين قطعت بأربعين في المائة نسبة لها في المجلس التشريعي المنتظر. وتجمد العدد عند أربعة نساء وزيرات كما كان في الوزارة الأولى في انتظار ما يسفر عنه تعيين وزير-ة التربية.
ناشدت هادية رئيس الوزراء الالتزام بتعهده كفالة التمثيل الوافي للنساء. وودت لو وجهت أشد النداء للأحزاب والحركات المحاصصة. فقد وضعت مزدلفة عثمان أصبعها على ضعف تمثيل المرأة برده إلى خلو ترشيحات المحاصصين من نساء عدا الحركة الشعبية شمال والبعث والأمة. وتحتاج الحركات المسلحة والدارفورية خاصة إلى مثل هذا التنبيه القوى ل “رفقاً بالكنداكات”. فلم تحظ النساء في مجلس الشركاء بسوى مقعد من ٢٩ كان نصيب المنصورة التي لا يخطئها ترشيح حزبها.
بدا لي أنه ربما جاء الوقت للقوى المدنية أن تجهر بصوتها بوجه المسلحين بعد الأحزاب عن غضهم الطرف عن استصحاب النساء سواء في التفاوض للسلام، وبلوغه، وحظوظهم في المؤسسات التي انبثقت عنها جميعاً. فما بوسع حمدوك عمله وما يصله من قوائم خلا من النساء. وإن تدخل خرب الرصة. جربت هذا الجهر بحق النساء في وجه مسلحي الجبهة الشعبية لتحرير السودان في ٢٠٠٥ بعد ملاحظتي خفوت صوت المرأة في وفد مقدمتهم للخرطوم. وستجد في الكلمة قناعتي بأن تلك الغيبة رأى سيء عن منزلة المرأة في مجتمع الهامش ومسلحيه:
كنت قرأت أن من بين وفد الحركة للخرطوم ناشطات من النساء. غير أني لم اسمع منهن او عنهن طوال زيارة الوفد. وهذا نقص معيب يسم سودان الحركة الشعبية الجديد بالذكورية. ففي إصمات عضوات الوفد تهميش للنساء. وهذا الإصمات منزلق تقع فيه الحركات الموصوفة بالتقدمية أو الوطنية لأن رجال الحركة هم الذين يحددون أولويات النضال الوطني. والرجال غالباً ما قدموا المسألة الوطنية علي المسالة النسوية المظنون أنها تالية للتحرر الوطني. ولم يشذ رجال الحركة عن هذه القاعدة. فقد ورد في تقرير للأمم المتحدة قولهم: “لنحصل اولاً علي التحرر الوطني وننشغل بعدها بمسألة المرأة”. ومن المؤسف هذا العزل لنسوة السودان الجديد عن عمليات السلام وقد كن الأجهر صوتاً في طلب السلام للحد الذي هددن (أو نفذن) هجر الرجال في المضاجع حتي يأتوا بالسلام.
لا ترد مسألة النساء في أدب الحركة الا في سياق التظلم العام من فرض الشريعة في دولة الإنقاذ. علماً بان بعض قادة الحركة مثل المرحوم يوسف كوه والقائد الحلو أكملوا نصف دينهم مثنى وثلاث ورباع بغير وخز “سوداني جديد”. وتكاد لا تري للحركة نظراً أو موقفاً حول ظلامة المراة الجنوبية من أعراف الجنوب التي قررت الدساتير السودانية المتعاقبة أنها (الي جانب الشريعة) مصدر القوانين. فخطاب الحركة الوطني مشغول بمقاومة فرض الشريعة وسيأتي الي الأعراف متي رفع حيف الشريعة عن الجنوبيين. غير أنني سعدت أن ناشطة مثل السيدة فليستر بيا، قائدة تضامن الجنوبيات من اجل السلام في الخرطوم، قد تطرقت الي ظلم الشريعة والأعراف معاً للمرأة. فقالت عن ظلم الأعراف إن المرأة إذا ترملت انحبست في البيت لعام كامل تنوح بالصوت العالي للتعبير عن فقد الزوج الغالي. وليس يطلب من الزوج الغالي ان يرد بالمثل متي فقد زوجه. وهذا نقد يدمج المسألة النسوية بالمسألة الوطنية بغير تسويف. فتقسيم النضال الي مرحلة وطنية تعقبها مرحلة نسوية أو اجتماعية هي صورة الرجال للنضال القائم وأجندتهم له.
وتتكشف ضغينة الأعراف الجنوبية علي المرأة حالياً في سياق تفكر المنظمات الإنسانية في عودة النساء الي قراهن بعد حلول السلام. وقد استرعي انتباهي قول السيدة جنيفر نوكو كيتي إن الأعراف فاحشة في ظلم المرأة. فلا حق لها مطلقاً في ملكية الأرض مثلاً. وقد فاقم من ذكورية الأعراف في الأراضي المحررة الحكم العسكري للحركة الذي خول للقادة الرجال سلطات أكثر غلواً. وتكهنت كيتي أن عودة الأرامل بعد السلام ستكون مأساوية. فأمامهن خياران: إما أن يقبلن بوراثة العشيرة لهن في المعروف من زواج الأخ أو الأب بأرملة أخيه أو ابنه، أو أن يتلطشن بمحاكم الأعراف لإسترداد حق أزواجهن المتروك الذي هو ملكية شيوع للعشيرة علي كل حال. ولن تقبل هؤلاء الأرامل وطأة العشيرة هذه لأنهن تفتحن علي المدن وعشن بدون الزوج او رغمه. وسيهاجرن الي المدن مما سيعرضهن إلى الأبتزاز الجنسي.
وددت لو تحدث كادر الحركة النسائي في وفد الخرطوم عن هذه الهموم. فلو فعلن لأرسين دونية المرأة في تقاليد ثقافية وطنية أخري غير الشريعة. بل لربما رددن للشريعة بعض الإعتبار. فالشريعة تورث المرأة مهما كان الرأي في سهمها ولا تجعل العشيرة بالأمر زوجاً في الظل. ولهذا نقول سمح القول في خشم سيده.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.