وإن سبق السيف العزل: هل وقف د. حمدوك على الجانب الصحيح من التاريخ ؟ (١-٢)

0 53

كتب: محمد فاروق سليمان 

.

“اي نضال يكتفي بسلطة لا يعول عليه”

 

يقول د. فتح الرحمن التوم: ‎”الانتقال لا يبدأ أساساً من الحكومة، الانتقال اصلا بيبدأ من فكر الناس ووجدانهم”، بالتالي اود التاكيد على انني أرى د. حمدوك من خلال موقعه كجزء أساسي من السلطة الرسمية، لا تنفصل الحملات ضده ومحاولات تخوينه بعد الحادي والعشرين من نوفمبر عن إفراط العقل السلطوي في تقدير نفسه، ومحاولات فرض شروطه على عملية التغيير والثورة، وتعزيز دوره عبر هندسة امتيازاته وليست هندسة الدولة وفق محاصرة امتيازات السلطة، وهو عقل قد ساد لعقود منذ الاستقلال الأول في ١٩٥٦، كما يمكن ان يكون الاحتفاء بموقع د. حمدوك ولوحده وجه اخر للخضوع لسيادة نفس العقل السلطوي وتفريط في واجبات التأسيس من قبل الجميع، والذي تتيحه هذه الثورة. وكلا الموقفين برأيي ينطلقان من منطق الاكتفاء بالسلطة وأي عقل سلطوي لم يثري غير إرثنا في نقض العهود، كما لن يورثنا سوى مآلات فض السامر.

 

ما لن يطيقه عقل السياسيين السلطوي هذا، وفي طاقة حركة الجماهير في نضالها نحو التأسيس: ان د. حمدوك قد وقف لصالح تخلق تاريخ جديد يتجاوز كسب وعثرات التاريخ القديم، ويتحمل مسؤولية تاريخية في محاولته لإنقاذ الانتقال وفق تأكيد شروط التأسيس عبر بوابة الاتفاق الذي وقعه في ٢١ نوفمبر، والذي تم على مستوى السلطة (بطبيعة طرفيه)، كشرط ضروري (وغير كافي بالطبع) لإكمال الانتقال وتعزيز فرص تحقيق التحول الديمقراطي. وهي فرص لا يمكن طرقها من خلال خطب التخوين او التأييد من قبل اصحاب الامتيازات المدنيين والعسكريين، إمتيازات يهددها كسب هذه الثورة، طالما احتفى اصحاب هذه الامتيازات بالسلطة في اطارها الرسمي فقط، وفي تناقض مع حركة الجماهير. والتي تبدو اكثر احتفاءاً بسلطتها المستقلة وفق عنفوانها الحالي.

 

لم اجد مثالا لمقولة النخبة السودانية وإدمان الفشل اصدق من هذا النقد والسعي للتخوين الذي قابلت به هذه النخبة اتفاق الحادي وعشرين من نوفمبر بين د. حمدوك والفريق البرهان. والاعراض عن اعتبار هذه الخطوة فرصة في اتجاه محاصرة وإنهاء انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر، فيه تغافل عن الواقع السياسي ومهددات الانتقال قبل هذا التاريخ. والتي قد لم تختلف بعده عما قبله، بدرجة تجعل ما حدث في ٢٥ اكتوبر اقرب للمفاصلة منه للانقلاب، اعادت فقط تعريف انقلاب حوله “غلاط”، لانقلاب لا “غلاط” حوله؛ انقلاب ممتد منذ اختطاف الاحزاب الاربعة للحرية والتغيير. ويأس الحزب الشيوعي وتراجعه عن العملية السياسية التي كان جزءاً رئيساً في كل مراحلها منذ اختطاف عملية التفاوض نفسها بعد الحادي عشر من ابريل، وحتى انسحابه من قوى الحرية والتغيير في نوفمبر ٢٠٢٠، وفشل “الحزب” في اكمال تجيير إرباك المشهد لصالح خطه المعلن بعد التغير الكبير في مواقف حلفه السياسي الاستراتيجي: قوى الاجماع الوطني، والانقلاب في موقف حزب البعث الاصل؛ الحليف الاستراتيجي للشيوعي داخل الاجماع، والذي قاد خروج الشيوعي من نداء السودان في السابق آواخر العام ٢٠١٦. (*)

 

لا بد من الاشارة هنا لكون تعطيل تطوير بناء قوى الحرية والتغيير كتحالف مؤسسي قد ساهم فيه بشكل كبير اختطاف تمثيل قوى نداء السودان من قبل حزبي الامة والمؤتمر السوداني (وخضوع الحزبيين ايضا للابتزاز بفزاعة الهبوط الناعم) بنفس الدرجة التي ساهم فيها اختطاف صوت قوى الاجماع الوطني بواسطة حزب البعث الاصل والحزب الشيوعي (واصرار الحزبين على اعتبار الحرية والتغيير جسم تنسيقي وليس تحالف سياسي). ليمارس الجميع سباق حصد النقاط والحيلولة دون قيام مرجعية مؤسسية لتمثيل الثورة (ليست حصراً على القوى السياسية والمهنيين كمنصة للتحريض بالطبع، ولكن لاستيعاب منصة الثورة نفسها)، الأمر الذي اجهض انتقال الثورة على مستوى توظيف انتصارها سياسيًا (خلاف سقوط البشير طبعاً) منذ اعتصام القيادة، والانتقال بالتغيير للمستوى رسمي، وقاد لهذه الموجات اللاحقة لحركة الجماهير وبذلها للدفاع عن الانتقال الديمقراطي، ولا يقل هنا اداء الحركة السياسية المدنية وحتى قوى الثورة عن دور المكون العسكري أو قوى الثورة المضادة في تهديد كسب الثورة إن لم يزيد.

 

_________________________

(*)

ليس القصد هنا من ذكر (او اغفال) بعض القوى السياسية ودورها اصدار ادانة مخصصة للاطراف السياسية السودانية، أو احزاب بعينها بشكل مطلق، بقدر القصد هو التعرض للاداء السياسي الذي يحكمه عقل سلطوي وهو ما ادنته دائماً، واظن داخل كل القوى السياسية هنالك هذا الصراع بين التيارين: السلطوي والتأسيسي، وهو ما يجب الانتباه اليه، وخروج هذا الجدل للعلن بدل التعاطي معه كشأن خاص بالحزب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.