وجاءتني طعنة في اللحم الحي

0 56

كتب: جعفر عباس

.

عندما أصبحت الكورونا خطرا مؤكدا، استولى ولدي لؤي على السلطة وفرض عليّ حظر التجوال، وصادر مفتاح سيارتي، وحاولت إقناعه بأن الكورونا ليست خطرة على شخص مثلي عمره 39 سنة، فقال ان الكورونا لا تعترف بعمري الفيسبوكي، والى يومنا هذا ما زلت تحت الحجز الجزئي

ولعل أسرتي من أكثر العائلات التزاما بالاحتياطات الواجبة لتفادي الكورونا، ومن يجالس أحد أفراد عائلتي هذه الأيام يحسب انني مجموعة سكرجية لأن رائحة “العرقي” الأصلي تفوح من أيدينا لوجود العديد من قوارير المطهرات الكحولية في ارجاء بيتنا وكل شوية تسمع بخ بخ.
لؤي هذا عاشق لأفريقيا ويتمنى لو يستطيع ان يعمل في أرياف السودان (متخصص في علاج عيوب السمع والنطق- البورد الأمريكي)، وفي منتصف شهر يوليو المنصرم توجه مع عدد من أصدقائه الى تنزانيا وزنزبار، وكان سعيدا بالسفاري ومشاهد الأفيال والأسود والزراف (ركوب الجن)، وزار مواقع قبائل تعيش فقط على الصيد ويأكل أفرادها كل كائن حي بما في ذلك القطط، وطاف بالأحياء الشعبية في بعض مدن تنزانيا، ثم حان موعد العودة الى قطر وأجرى الكشف كيف ينال شهادة الخلو من الكورونا، فكانت اللطمة
جاءني منه اتصال هاتفي: ابوي عندي كورونا!! نعم يا روح أمك؟ ما سمعت يا ولد الهتاف في مظاهرة الزواحف في الخرطوم: ما في كورونا ما تغشونا!! ذلك الخبر زلزل كياني وما كان ممكنا ان أبلغ أمه بالأمر “عشان ما تطب ساكتة وتروح فيها”: كورونا وكمان في الغربة بعيدا عنا؟؟ لطفك يا رب.
أسجل هذه الواقعة ليس لاستجداء عطف القراء، ولكن لأقول لهم إن لؤي لم يشعر طوال الفترة التي بقي فيها حاملا للفيروس بأي من أعراض المرض: لا صداع لا حمى لا كحة لا فقدان حاسة شم لا فتور لا وجع في البطن، وكان ذلك حتما لأنه نال جرعتي التطعيم وليس فقط لأنه شاب (وأصغر من أبوه بكم سنة)، وكان معه رفيق رحلة أصيب أيضا بالكورونا دون ان يعاني أيضا من أي من اعراضها وبعد عشرة أيام اجريا الفحص مجددا وجاءت نتيجة لؤي “براءة” ولم تظهر نتيجة فحص زميله، أي غالبا ضاعت في أضابير أفريقيا، فقلنا له عيب تسافر وتخلي زميلك معلق، واضطر الاثنان الى اجراء فحص ثالث التزاما بشروط ركوب الطائرات، وجاءهم البلاغ بأنهما بحمد الله سالبين وتقررت عودتهما الى قطر في اليوم التالي ولكن المركز الذي استلما منه شهادة الكورونا أضاع بطاقة لؤي الشخصية وبدونها ما كان ممكنا السماح له بركوب الطائرة لأن فيها اثبات انه مقيم قانونيا في قطر، و”جقلبنا”، ولم يكن أمامنا من مخرج إلا أن يتوجه الى السودان الذي يستطيع دخوله بدون فيزا، ولكن بعض الأفاضل تواصلوا مع الخطوط القطرية التي كان لؤي مسافرا على متن طائرتها وشرحوا الأمر فرتبت مع سلطات الجوازات دخوله قطر بصورة استثنائية، وبعد انجلاء الموقف تماما اخبرت أمه بما حدث فجرت دموعها أنهرا، وظلت تتصل به هاتفيا كل ساعتين، ولم يهدأ لها بال او يغمض جفن إلا لما رأته خارجا أمس الأول من صالة الوصول في مطار حمد الدولي
والشاهد يا جماعة: احرصوا على نيل التطعيم المطلوب خاصة لكباركم، والوضع في السودان ما زال كارثيا، والناس تموت بالكورونا في صمت!! هل تصدق ان 1% فقط من ملايين أهل الخرطوم هم الذين أخذوا اللقاح؟ ورغم ان الحذر لا يمنع القدر كما أثبتت تجربة لؤي، إلا ان الحذر واجب فهو أخذ بالأسباب والباقي على الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.