ومتى تراجع الحكومة خيارها “الصفري”؟!

0 55

كتب: د. خالد التيجاني النور

.

(1)
كما هو منتظر فقد أجرى صندوق النقد الدولي المراجعة الأولى لبرنامج الحكومة لإصلاح الاقتصاد، ورد في بيان الصندوق عن التقييم الأولي “إحراز السلطات السودانية تقدماً ملموساً نحو إنشاء سجل حافل بالسياسات وتنفيذ الإصلاح، وهو مطلب رئيسي لتخفيف الديون في نهاية المطاف”، كما تضمن أيضاً جملة اشتراطات جديدة من أجل “الحفاظ على التقدم والوفاء بمتطلبات تخفيف عبء ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون “هيبيك” ولذلك سيكون من المهم إحراز تقدم مستدام في إطار البرنامج الخاضع لمراقبة موظفي الصندوق على مدى الأشهر المقبلة”، ولكن السؤال الأكثر أهمية في هذا السياق أنه مثلما أجرى الصندوق مراجعته هذه، فهل أخضعت الحكومة برنامجها لتقييم حقيقي لجدواه في تحقيق الإصلاح؟ وهل درست تبعاته في ظل الواقع المشهود؟.
(2)
الإجابة بلا تردد هي أن الحكومة لم تقم بهذا التقييم مطلقاً، ولم يكن ذلك وارداً في نيتها ابتداءً، بل ظلت تتعامل مع هذا البرنامج باعتباره “الخيار صفر”، وظلت تعتبره سفينة نوح الاقتصاد السوداني الوحيدة المنجية، ولذلك لم تضع في حسبانها أبداً إدارة أي حوار موضوعي حوله، وظل هو اللعبة الوحيدة في المدينة مع تغيّر الحكومات والوزراء، ربما لم يكن الأمر ليستحق إعارته انتباهةً لو أن تصورات الحكومة لهذا السيناريو كانت تجري بما تشتهيه أشرعة سفنها، ولكن رياحه جرت بما لا يشتهي السفن، ومع ذلك بقي الإنكار سيد الموقف.
(3)
ولكي نقيم هذا السيناريو علينا الرجوع إلى الحيثيات والرهانات التي بنت عليها الحكومة موقفها، لقد بنى مشروع موازنة 2020م سيناريو محدد الأهداف والخطوات يقوم على هدف محوري وهو تصميم الموازنة لكي تخدم هدفا أساسيا هو الوصول إلى تخفيف الديون الخارجية في خاتمة المطاف والحصول على تمويل من مؤسسات التمويل الدولية، وذلك بادرت بمخاطبة الاشتراطات التي تتطلبها مبادرة “هيبيك”، وعلى رأسها الوصول لما يُعرف “بنقطة اتخاذ القرار” التي تأتي كنتيجة لإصدار صندوق النقد الدولي “سجل حافل بتنفيذ مطلوبات الإصلاح الاقتصادي” وفق برنامج تقدمه الحكومة يوافق عليه الصندوق ويراقب تنفيذه موظفوه، وقد شرعت الحكومة في تنفيذ هذه الاشتراطات المعلوم حتى قبل الدخول في تفاوض مع الصندوق حوله.
(4)
وحسب خارطة الطريق لمشروع موازنة 2020م فقد استندت إجراءاتها على تحرير كامل للسلع والخدمات وسعر الصرف وفق مواقيت محددة، وحسب مصفوفة هذه الخارطة فإنه بحلول مارس – أبريل 2020م ستتم الخطوات التالية، إنفاذ نظام التسعير التقاطعي للكهرباء، تحرير سعر الصرف للصادرات، تحرير سعر البنزين وبدء التحرير المتدرج لأسعار المحروقات الأخرى. وفي يونيو 2020م يتم إكمال تحرير سعر الصرف، وإكمال تحرير أسعار السلع الاستراتيجية. ويجب الانتباه للملاحظة المهمة وهي استخدام تعبير “تحرير” كان يعني بوضوح “لبرلة الاقتصاد” بالتحول لنظام السوق الحر، وخروج الدولة من الاقتصاد.
وحسب المصفوفة فإنه بحلول أغسطس 2020م، يتم إكمال تحرير أسعار الجازولين، إكمال وشمول منظومة التعاونيات الاستهلاكية للسلع الضرورية، بدء التحرير المتدرج لسعر صرف الدولار الجمركي للواردات، بدء التخفيض المتدرج للتعرفة الجمركية على الواردات.
(5)
وحول الجدول الزمني لإعفاء الديون وإعادة التأهيل، ورد في خارطة الطرق الآتي: – في ديسمبر 2020م إجراء الحوار المجتمعى للاتفاق حول برنامج اقتصادي وإجازة موازنة 2020م.
— في مارس 2020 بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للاتفاق حول برنامج للإصلاح الاقتصادي المراقب من قبل موظفي الصندوق. SMP
– – سريان تنفيذ البرنامج: أبريل 2020- أكتوبر/نوفمبر 2020م
— إعلان تقييم الصندوق لأداء السودان والوصول إلى نقطة القرار-
(decision point): يناير 2021/يونيو 2021
– – بدء عملية إعفاء ديون نادي باريس (54 بليون دولار)، إضافة إلى الديون الأخرى.
– – تفعيل الآلية التلقائية لدفع متأخرات البنك الدولي (1.23 بليون دولار) وبنك التنمية الإفريقي (370 مليون دولار)
– – تبقى متأخرات صندوق النقد الدولى (1.4 بليون دولار) والتي يتوجب دفعها لعدم وجود مثل هذه الآلية التلقائية كما في حالة البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقى.
(6)
وفقاً لهذا السيناريو توقعت خارطة طريق موازنة 2020م عند تنفيذ جملة هذه الإجراءات أن تفتح أمام السودان آفاقاً رحبة، مؤشراتها هي توقع تحقيق الإنجازات التالية كعائد مباشر للدخول في هذا البرنامج، وهي::
-إعفاء أو تخفيض كبير للديون
– الحصول على دعم مباشر للموازنة في شكل منحة من وكالة التنمية الدولية قد تصل إلى بليون دولار سنوياً بالنظر لعدد السكان.
– قروض ميسرة أخرى لمشاريع تنموية وبرامج
– شراكات استثمارية مع القطاع الخاص السوداني والأجنبي بواسطة مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولى ورصيفتها الإفريقية التابعة لبنك التنمية الإفريقي، الصناديق العربية …إلخ
إذاً هذا هو السيناريو وهذه هي توقعات مردوده، فما الذي حدث؟.. نواصل بإذن الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.