١٦ مايــــــــــــو – الهبــــــــــــة العظمــــــــــى.
كتب: آدم أجـــــــــــــــــــرى
شق درب سليم لوحدك؛ خير من إتباع قطيع ذاهب الى المهالك طوعاً. فالانسان لا قيمة له إن لم يمارس حقه فى حرية التفكير والثورة على الظلم، والسودان شعباً لم يبدع بما فيه الكفاية لأنه فارق درب التمرد على المألوف ومحطات عديدة أكدت أنه آثرت درب الإستسلام طلباً لا وجود له فيه، تمكن فيه ذلك العقل الجمعى المستعبد المستسلم غير المؤهل للإبداع والتطور، والبديهى ألا يترك أثراً للغد القريب ناهيكم عن البعيد، إلى أن أتى يوم كغيره من أيامها الظلماء أتقدت خلالها شمعة واهنة بقيت صامدة فى وجه أهوية مستنقع آسن صمدت على معاركتها
١٦ مايو رسم علامة فارقة وضع السودان بين خيارين لا ثالث لهما، إما الإتعاظ من تجربة قرون عجاف خلت بتغيير المسار كلية، أو المضى قدماً فى نفس درب المهالك المحتمة، فكان يوماً ليس ككل يوم.
التداعى المستمر لمشروع دولة السودان منذ ايام الممالك النوبية لم يكتفى بكارثة سوبا والتى لم تكن إلا قائماً آخر سقط تحت وطأة المعاول التى تتجاوز الأهداف فتصيب الأقدام – بل محطة بدأ عندها فصل أكثر عليه أسنة الرمح يتولى شحذها غرباء وأمراء أقطاع ذلك العصر، فكانوا الأوائل وإسلامويو القرن الحادى والعشرون أواخرهم، وما بينهما محن ممتدة وأمراض تتعتق وهزال أبقى السودان جيفة كائن نفق منذ قديم الزمان، ١٦ مايو ١٩٨٣ كان شرارة الثورة السودانية، تمرداً لوقف سيل قطعان لم تنقطع مسيرتها إلى مقاصلها. والتمرد قوة دفع خلاقة، لن يكون بعده مثل ما قبله، يظهر الإبداع، يطيح بالمألوف لمصلحة الإبتكار، ويؤسس لتفكير يتجاوز القشور ويوجه مقاريب الفحص إلى المنابع والجذور، منه وبهدوء بلا عجل؛ يبدأ البناء لبنة فوق لبنة، وملامح رزمانة السودان الجديد التشكل، مصحوبة بأطروحات سياسية إجتماعية ساعية إلى تأسيس دولة تستعيد مكانتها وسط العمالقة، إنها بحق ثورة فكرية منفتحة تحاور كل مدارس أخرى برحابة، تأخذ بكل إجتهاد صالح وعلى أساسها تبنى التحالفات. بات الطرح من القوة حتى أنها دفعت أعداءها إلى الإنسياق مع تياره والإقتباس من أدبياته بالقدر الذى يفرغها من معانيها تسهيلاً لتقويضه. ١٦ مايو ثورة بقيت حاضرة فى قلب كل إنتفاضة، أبقت أشباحها حاضرة فى أبريل ٨٦، وسبتمبر ٢٠١٣م وديسمبر ٢٠١٨م
الدولتان لم تكونا غاية يوماً، وقد فرضتا نفسيهما فى سياق عملية الإنقاذ الكبرى – دعنا نجرب دولتين إن فشلت الواحدة فى إنقاذ الشعب السودانى – المتاعب الإجتماعية التى واجهتها الدولة الوليدة أكدت أن إستقلالها، كان من كيان وليس دولة حقيقية. وإن كان من تقييم حقيقى لدرجة الفلاح فى تقويم إعوجاج ألف سنة، وما تتطلبها من عمليات تفكيك وإحلال وإبدال مفاهيم فإن سبع وثلاثين سنة مضطربة لم تكن كافية لتحقيق هدف ثمين. الساعة لم تأن بعد، والأزمة لم تبرح مكانها، والأجيال المقبلة التى ستكون الأكثر دراية وتحرراً وتمرداً، ستكون الأقدر على ذلك. وقتذاك سيقف السودانيون على تلك الحقيقة المذهلة المتمثلة فى أن مشروع السودان الجديد كان أعظم هبة قدمت لشعب شهد من الأهوال ما لم تشهدها أمة على وجه الأرض.