٣٠ يونيــــو _ النيــــــــــــــئ يعــــــــــــــود إلى النــــــــــــــار!
كتب: آدَمْ أَجْــــــــــــــرَىْ
مسيرات خمسة أشهر مدفوعة بإرادة ثلاثين عام من العمل، وتراكم آلاف مؤلفة من الجماجم المنسية فى أحداث فاقت جسامتها تصور أى خيال؛ هو الثمن الذى دفع من أجل إخراج السودان من عصر الإنحطاط. والراهن الذى نشهده هو نفق ما بعد الميلاد_عندما يأخذ الثوار فى تصويب سهامهم إلى صدور بعضهم_تنازعاً حول أرضيات، قوى، قيم وكراسى_ وطالما أن الحث لا يثمر والنصح لايفيد، فقد حان وقت عودة الحناجر المغلظة.
وطالما أن المذكرات تبقى فى خزانتها، والنصح تسمعه الآذان من جهة وتخرجها من أخرى، فإن أدوات العمل التى لا تخيب ظن صاحبها، سينفض الغبار عنها، اللافتة ستعود ومعها الراية والهتاف والإنشاد الثورى والزغاريد ستصم الآذان. ديسمبر التى جمعت أطيافها، ستعيد المتأوه بآلامه، والباكى ليلاه والرافع مظلمته.
من خرج لخبز ندر، أو فاقة عمت، أو وفاءاً لشهيد لم يعد، أو لحرية نزعت وكرامة أهدرت، أو دفاعاً عن ذات وأرض وعرض أنتهك، سترونه مجددا فى الثلاثين من يونيو.
كانت تلك لحظات وحدة عابرة، سرعان ما عاد الكل إلى فئته، كيانه الكهنوتى أو حصنه القبلى، والأنتكاسات وقعت، والصدوع إتسعت تأكيداً لواقع راسخ مستنكر:
ما حك ظهرك مثل ظفرك.
الجلد جلدنا ما بنجر فيه الشوك.
أنصر أخاك ظالماً ومظلوماً.
أنا وأخويا على إبن عمى.
هذا ما إنتهى إليه أمر ثوار الأمس، عملوا يداً واحدة لتحقيق هدف مشترك، فإستأثر شريك بإدارة دولة وموارد، ثم أخذ أقبل يفاوض شريكه الآخر لمدة عام كامل بغية الإنضمام إليه لمواصلة العمل على تحقيق نفس الهدف، ولا عجب من عجائب سودانٍ تعرفونها.
دون المساس برايات الآخرين، فإن قضايا أهل الهامش القومى، والجغرافيا على أرض الوطن بأريافها، متنوعة لا تفارق سلاماً يعيد الملايين إلى بيوتهم، يحقق ما يكفل بإخراس البنادق بعد تجريد الأيدى المجرمة منها. وهل ستقوم لذيول الإرهاب قائمة إن تحالفت حكومة الثورة وقوى الكفاح المسلح؟ ألن تثقل عليهم كراسى هم جالسون عليها، وهل ستبقى بأيديهم ثروة يمولون بها المؤامرات والفتن. ذلك ملف بقى مشهراً فى وجه حكومة لا يملك الشعب إلا الالتفاف حولها، لكنه سيعود إلى التصدى لمسؤوليته، سعياً إلى صد ريح الفساد الآتى عبر نوافذ عنصرية_عصية صامدة _ وقطعاً للطريق أمام خبثاء يخططون لبذر جرثومة زيف داخل تيار أصالة
يعود الشعب إلى الشارع وبباله، أن جيشه وشرطته وأمنه وجهازه القضائى سيبذل معه أقصى الجهد لإجهاض شرارات تننج عنفاً يجهز على أحلام السلام.
يعود كى يضع حداً لقمل الكهانة الذى أمضى فى دهاليز الدولة دهوراً كافية لإفراغ سمه فى جثته المثخنة بأدرانها؛ المقعدة عن تدبير مطعم وتأمين مشرب. يكفيه من الإظلال ما أظل وشعار الساعة: إبقاءه على مبعدة من أية سلطة وأى قرش، حرمانها عن ثديها بفصل الدين عن الدولة، أيلامها بما لا قبل له به، بتكريس طاقات العلمانية النهضة، توظيف الثروة فى بناء القوة بدلاً عن تبديدها على الكسالى ممن خبروا الدروب إلى بلاط أى سلطان، ولا على جوقه طربه الإنشادى، أو الترف المبتذل لنسوته!
هكذا ينبغى أن نبحر بثقل المسؤولية، أو أن يتصدى كل إقليم لحك جلده بظفره، بتأسيس علمانيته بالطريقته التى ترضيه، أو بمشيئته يمضى قدماً فى الإكتواء بثيوقراطية إستهوته. وفى كليهما تفكيك لركائز تلك المعادلة القديمة التى تركن إليها كيانات تخشى على تآكل أرصدتها وتبدد إستثماراتها الإقطاعية _الأفاعى ضمنها_ هى صاحبة العراقيل التى تزيد المشهد قتامة، وما يجب تصويب السهام عليها، والنيئ سيعود حتماً إلى النـــــــــــــار.