٣٠ يونيـو _ الســــــلام وســوق الســـــــــراب! (٢/٢)
كتب: آدَمْ أَجْــــــــــــــرَىْ
وصلت الرسالة أمسِ، تلبستها شوائب مفارقة للسلمية، محدودة أمكن إخمادها، وقعت فى ولاية الخرطوم _لماذا؟_ دون غيرها، لا أثر لها فى مسيرات كل الأقاليم. الجريمة فساد واجبة محاربتها، بقطع الطريق على مسبباتها والحؤول دون تحولها إلى ظاهرة كابحة للطاقات، طاردة لكل خير، وقد حدث!
تمكين الكيزان شر أكبر وقف وراء الكثير من الشرور التى نبتت لاحقاً، لم يحدث، أو نادراً أن سعى مسئول منهم إلى محاسبة لص من فئته، أو مختلس فى مؤسسته، فكان واضحاً أنهم يخططون _فى أى موقع وطأته أقدامهم_ إلى تلويث الجميع بسرقات صغيرة هنا وهناك، تمهيداً لتنفيذ السرقات الكبرى. المتورطون فى سرقة ألف جنيه، سيغضون الطرف عن نهب مليارات ينفذها الكبار، أو سيبقون بإنتظار دورهم للحصول على صيد أكبر، والكل يتعاون فى طمس الأدلة وتعويق المحاسبة. حتى بات التعايش مع الظاهرة شرطاً للبقاء بينهم.
المجرمون خشوم بيوت، والذين إخترقوا المسيرات، هم الحلقة الأضعف فى سلم الجريمة، ضحايا سياسات حكومية، وحالتهم منطوية على رسالة يفترض أن الحكومة قد تلقتها. محاسبتهم واجب لا مساس به، وقبل التعجل إلى التبرؤ منهم، علينا تذكر ظاهرة كولمبيا عندما تبرأ منها الثوار وأعلنوا أنها لا تمثل الثورة _مسؤولون من قحت ووقعوا على قرار تنظيفها_ فكان مدخلاً إلى إجهاض الإعتصام بطريقة أبكت الجميع. ولسنا فى حاجة إلى تكرار إحداث شرخ مثل هذا. وسنتجه إلى حيث نظنه واجباً كى نطرح سؤالاً أولياً: من أين أتى هؤلاء؟
إنهم من طالتهم كافة مظالم الإنقاذ وصابتهم فى مقتل؛ صنفوا فى خانة الأعداء؛ شُنت عليهم الحروب فأحرقت قراهم، هجّروا من أرضهم تحت الضغط والقتل الممنهج، ضيقت عليهم مواعين الانتاج فى مواطنهم وأنضبت. إنهم ملاك بساتين ومزارع ممتدة، التى أضحت اليوم غابات شوك محطمة مفحمة، إنهم مشردوا مؤسسة جبال النوبة الزراعية التى باتت خراباً يبساً داخل إقليم أشد خراباً، إنهم أبناء الأرامل الذين تربوا بلا سند بعد مقتل آباءهم، وخراب ديارهم، تركوا وراءهم أراضى غنية بمواردها، فإضطروا إلى السكن فى أقفاص صحراوية، بلا ماء ولا كهرباء، أُهمِلُوا ولم يتعلموا أو يتدربوا على عمل مفيد، حكومتهم غير محتاجة إليهم، ولا مصلحة لها فى تقديم أية خدمة لهم.
إنهم ضحايا حروب الإبادة وسياسات الأرض المحروقة، الأوفر حظاً منهم لجأوا إلى الغير، وإلى دول الجوار وبمساعدة منظمات تطوعية، خرج منهم شباب صالحين أو أداروا للسودان ظهرهم وذهبوا إلى حيث لا رجعة، أو هربوا إلى الكفاح المسلح وباتوا جنودا. أما من إختاروا الخرطوم_حضن الحكومة وجوارها_ فإنهم ضباع المواكب الذين بددوا أعمارهم وشتتوا بنيهم، فلم يخرج منهم إلا الذين يشبهون ربائبهم الكيزان حيث النهب فى وضح النهار، ولا غرابة إنهم يلتقون وينسقون لأجل الثورة المضادة بعلاقة الآجر بالمأجور، تعمل على تخريب المواكب وتشويه سلميتها.
مثل هذه الأوضاع _حرباً تشنها فتداهمك آثارها فى عقر دارك_هى ملف واحد من أرشيف مترب مرتبط بإنفتاح ما بعد صفقة السلام، عقبها سيأخذ كل إقليم فى إستعادة أيديها العاملة من سكان الأقفاص الصحراوية، كى تعيد بهم تعمير ما خرب. ذلك هو الأمل الباقى للمشردين للعودة إلى بيوتهم، ولمثل هؤلاء_ولنا أيضاً_ لن يكون مفهوماً تعويق عودتهم بهواجس طائفية ترمى بظلالها على طاولة المفاوضات، أو رهنها بالحالات المزاجية لمن يسمون بالخبراء، أو إبقاءها سلعة متداولة فى سوق الســـــــــــراب.