20 مليون دولار شهريًا للمخلوع!!
كتب: د. النور حمد
يا ألطاف الله! كم مرَّةً يا ترى رأينا الرئيس المخلوع يمارس زعيقه المعتاد، “بحسِّه المقروش”، دومًا، في اللقاءات الجماهيرية؟ وكم مرة شاهدنا وهو ينهي رقصاته على إيقاعات الحماسة، وهو يلوح بعصاه مرددًا: “ما لدنيا قد عملنا”؟ لقد كانت عروضًا تصيب كل من له غيرةٌ على صورة البلاد بالغثيان. ولو لم تفعل هذه الثورة شيئا سوى أن أراحتنا من ذلك التهريج المقزز لكفاها. لقد كنا في سبعينات القرن الماضي نسخر من بوكاسا رئيس إفريقيا الوسطى، الذي نصَّب نفسه امبراطورا. ولم نكن ندري أن صروف الدهر سوف تبتلينا بمن هو أسوأ منه. لم يحدث في تاريخ هذا البلد أن تواطأت نخبٌ متنفِّذةٌ على الباطل مثلما فعلت نخب الإنقاذ. لم يكونوا يستحون من الوقوف خلفه على المنصة، مرددين: “هي لله”، و”ما لدنيا قد عملنا”، وهم يعلمون حقيقة “البير وغطاها”.
كتبت مرات عديدة عما يسمى في العلوم السياسية بالنظام الكليبتوقراطي، أي، حكم اللصوص، وقلت إنه ينطبق على نظام الإنقاذ. ورغم علمي أن بلادنا محكومةٌ بعصابةٍ شغلها النهب، لكنني، فوجئت بما أوردته لجنة تفكيك التمكين، مساء أمس الأول. لم أكن أتصور قط أن يصل موت الضمير وانعدام الحس الأخلاقي، بالرئيس المخلوع حدَّ أن يأخذ 20 مليون دولار، شهريًا من المال العام لنثرياته. كيف يأخذ رئيسٌ، مبلغًا كهذا، بضميرٍ مرتاح، في بلد تعجز فيه الأمهات عن شراء الحليب لأطفالهن، والمرضى عن شراء الدواء للملاريا؟ كما يموت فيه مرضى الكلى بسبب قلة ماكينات الغسيل. وحتى بعد أن ذهب ريع البترول واصل المخلوع أخذ ذلك المبلغ الخرافي الذي انخفض تدريجيًا حتى بلغ، قبل سقوطه، 3 مليون دولار. حدث كل هذا النهب تحت ستار التضليل والتخدير الإعلامي للبسطاء باسم الدين. وهو ما أكّد أن النظام الديكتاتوري هو أسوأ أنظمة الحكم. وأن أسوأ الأنظمة الديكتاتورية لهي تلك التي تلتحف قداسة الدين. لقد مر على حكم البلاد الفريق إبراهيم عبود، والمشير جعفر نميري، لكننا لم نشهد فسادًا، كفساد الإنقاذ.
لكل دكتاتورٍ بطانةٌ تزيِّن له الباطل، وتغريه بالتغول على المال العام. يدفعها لذلك علمها أن إفساد الرأس يفتح لها الباب لتحقيق الثراء الشخصي. تدرس بطانة السوء بعناية شديدة من تتعامل معهم من المسؤولين؛ سواءً كان هذا المسؤول هو الرئيس، أو الوزير، أو مدير المؤسسة. وما أن تستشعر البطانة في المسؤول ضعفًا أمام المال، تأتيه بمقترحات شيطانية بزيادة وتنويع مخصصاته. ولقد وجدوا ذلك في المخلوع، فأشعروه بأنه يستحق 20 مليون دولار في الشهر. هذا، في حين أن مرتَّب الرئيس الأمريكي ونثرياته، في بلدٍ موازنتها بالترليونات، لا تصل إلى مليون دولار في العام كله. أيضًا حين تكون الدولة دولةً أمنية، يصبح جهاز الأمن مسيطرًا على الرئيس عن طريق تخويفه وإشعاره دومًا بالحاجة للحماية. بذريعة التأمين والحماية، تأتي كل الخطط الشيطانية، من جهاز الأمن ومن الحزب الواحد الحاكم، لشفط المال العام ووضعه في حسابات خاصة تحت مسمياتٍ مختلفة، لأغراضٍ مختلفة. والآن، انكشف المستور، وبان أن رئيسنا المخلوع كان ناهبًا شرِهًا للمال العام، بل ومتاجرًا بالعملة. فمتى يا ترى ستتوارى عن أعيننا هذه البطانة الفاسدة التي تثير اللغط حاليًا؟ ألم يئن الأوان لتلوذ بالصمت؟ أم أن “الاستحوا ماتوا”؟