الحرية والتغيير…. وحدة للاسقاط مع تأجيل باقي القضايا.
انقسام ثوار المناطق الريفية مقابل ثوار المناطق
الحضرية اهو اختلاف للاجندة ام عدم ثقة ؟
كتب: مبارك أردول
.
مدخل : المراقب لشارع الثورة اليوم هنالك انقسام حدث فيها وهذا كان احد اسباب إنهاء الشراكة بين المدنيين والعسكريين في ليلة ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م ، بالإضافة لأسباب آخرى تتعلق بالطريقة المتعجرفة التي تعاملت معها المجموعة التي كانت في الحكم ودفعها للأمور نحو هذا التصعيد الذي كان يجب ان ينتهي أما بقبول العسكريين لكل هذه العجرفة او الانتفاض ضدها بالشكل الذي يرونه في معركة كسر العظام، على اي حال نحن لسنا بصدد التعليق عن تلك القضية ، وانما في بحث اسباب الانقسام السياسي بين المدنيين.
المهم الذي نريد الاجابة عليه هو ان من ناضلوا متوحدين ضد النظام السابق انقسموا في أقل من عامين او قل بشكل علني ، تاثر بهذا الانقسام الانتقال في البلد وبل شكل الدولة والحكم عموما .
ما الذي جعل مجموعة اشبه بتنظيمات أنطلقت بموجب قضايا الاضطهاد القومي والطبقي او قل بهوى الريف ومن المناطق المهمشة (المجموعة الاولى) ان تتكتل مع بعض في مقابل تنظيمات سياسية تقليدية او حديثة انطلقت من المدن او تتقدمها نخب مثقفين حضريين ليبراليين (المجموعة الثانية) في جانب واحد.
دعونا ندلف الى القضايا ونعطي بعض التفسيرات ، واول هذه القضايا التي يرى الاغلبية انها اكثر تعقيدا هي قضية العلاقة بين العسكريين والمدنيين .
هذه القضية لكل طرف وجهة تقدير مختلفة فالمجموعة الثانية – دعنا نبدا بها – انها ترى قضية الشراكة مع العسكريين هي قضية عادية يمكن تبديلها او الدخول في تنازع معها لاقصى حد ويعتبر هذا شي عادي، وقمة ما سيفعله العسكريون تجاههم هو القبض والركل بهم في السجون لذلك هم اقل حساسية التعامل معهم ونتاج هذا التنازع هو قليل من عدم الاستقرار السياسي في المدن وقليل من الضحايا مقارنة بالنموذج الثاني الذي سنتكلم عنه ويمكن تدارك الاوضاع باقل مجهود.
اما المجموعة الاولى فان اي نزاع بينها والعسكريين يمكن ان يعود بالطرفين للحرب تتدهور بها الأوضاع لدرجات متاخرة وتخلف اثار اقتصادية واجتماعية وتمتد تاثيراتها للدول الجوار والاقليم وبل العالم، وسوف تكون الخسائر البشرية والمادية اعلى بكثير مما هي عليها في النموذج السابق ، بل تعتبر اذا تمت المفاضلة بين السلام والديموقراطية فانها سوف تنحاز للسلام وتأجل الديموقراطية لوقت لاحق لان الاول اساسي والثاني مكمل.
ثمة شي اخر يجب الانتباه له ان الحكم المدني في حد ذاته ليس هو بغاية يجمع الجميع حولها ، لان كل فترات الحكم المدني في السودان لم تعطي قضية الحرب والسلم اهمية بالنسبة لسكان الريف بل اندلعت الحرب في الخمسينيات في حقبة الازهري ايام حكم الاتحاديين واستمرت الحرب حتى في فترتي الحكم المدني الديموقراطي التي تزعمها حزب الامة في الستينيات والثمانينيات، لا نريد ان نقول وقع السلام في فترات الحكم العسكري ولكنها الحقيقة التاريخية الماثلة عهد نميري ١٩٧٢ وعهد البشير ٢٠٠٥ و ٢٠٠٧م وحتى ٢٠٢٠م لعب فيها المكون العسكري الدور الاكبر مقابل رفض وتباطؤا من المدنيين، ولا نريد ان نقول خرقت اتفاقية اديس ابابا بعد المصالحة بين العسكريين والاحزاب السياسية المدنية في ١٩٧٦م ولكنها ايضا الحقيقة المرة، ولايمكن ان ينسى كل ذلك بمجرد التوقيع على تحالف واحد لاسقاط الحكومة السابقة،
لذلك لا توثر دعوات الحكم المدني كثيرا على ثوار الريف بل قد يروا فيها اللامبالاة في قضيتهم الاساسية وهي قضية الحرب والسلام.
قضايا اخرى تتعلق بالاضطهاد القومي والطبقي لا تشكل حضور في اجندة التيار الاخر من الحرية والتغيير لذلك يقل الحماس في التعامل معها ، مثل قضية توزيع الموارد بعدالة وقضية التنمية المتوازنة ومنح فرص العمل مع اعطاء اولوية لقضية التفضيل الايجابي وتوزيع الخدمات والتمثيل في المؤسسات الحكومية والوظائف العليا بالدولة والتشجيع الفردي والجماعي وتسهيل فرص النمو الاقتصادي وحتى قضية انهاء التواجد في معسكرات النازحين واللاجئين ، كلها تشكل اهتمام اقل لهم،
فمثلا التبريرات التي تمت صياغتها في مسالة التعينات في الخارجية كانت فطيرة للغاية ولم تبشر الا بعهد الاستهبال السياسي القديم الذي ظل ممارسا منذ تأسيس الدولة والتي ثار الريفيين ضدها، لذلك الشراكة مع او قل التوحد مع الحرية والتغيير تحتاج لصيغة جديدة تنتقل من التي شكل بها التحالف لاسقاط نظام الانقاذ.
قضية اخرى متعلقة بالمجموعات القديمة والمسيطرة على الدولة العميقة والتها الاعلامية والاقتصادية والتي يمكنها بسهولة ان تغير ولائاتها بين الاحزاب السياسية الحاكمة عقب التاريخ فهي مجموعات انتهازية دوما تقف حجر عثر امام اكمال قضايا التغيير وتدق اسفين كلما اقتربت الوحدة بين من يؤمنون بالتغيير في الريف والحضر ووفق تلك المعادلات دوما.
فرص نجاح اي حوار سياسي في البلاد تتعلق بمدى شموليتها ومخاطبتها لكل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ادت الى الحروب وعدم الاستقرار السياسي في البلاد منذ خروج المستعمر ، ولربما عبر مبادرة الامم المتحدة هذه فرصة تاريخية يمكن استغلالها لتحقيق مشروع وطني جديد وعقد اجتماعي يتوافق حوله السودانيين ، واذا فشلت تلك الجهود فالاوضاع مرشحة لفقدان السلام او الديموقراطية او لفقدانهما الاثنين معا.