جمر الشباب شديد الوهج بلاغة وفصاحة الدم المراق
ألا تستحق مركز موحد للمقاومة!
كتب: ✍🏽ياسر عرمان
.
*بيبو فنان مع وقف التنفيذ!
أعلنت كلية الفنون الجميلة ان الشهيد محمد ماجد محمد علي زروق (بيبو) من ضمن كشوفات الطلاب المقبولين لهذا العام 2022م بالكلية، وهو فنان بالمولد وشهيد بالإختيار يبلغ من العمر (18) عاما متعدد المواهب فهو مؤذن مسجد الحارة ومصور وعازف يتقي الله ويتقي الوطن وفي كل ذلك زاده التقوى.
في 8 يناير ذهبت لزيارة أسرته لتقديم واجب العزاء مع بعض أصدقائي، استقبلتنا أسرته وأصدقائه والدته وهي إمرأة شامخة من أديم هذه الأرض لا تستطيع أن تنظر إليها مرتين ودموعها تتساقط مع كل زائر ودموعها أقوى من رصاص القتل والهمجية وابنها أكثر خلوداً من كل غدر وطلقة.
في نفس ذاك اليوم زرت منزل عبدالله عباس (الروسي) الذي استشهد في يوم الاستقلال بعد أن شارك في موكب 30 ديسمبر وينتمي إلى السودان وروسيا الاتحادية، وهو شهيد متعدد الأمكنة ولكنه أختار مكان استشهاده، وقمت أيضا بزيارة أسرة صديقي محمد علي لتقديم العزاء في والدته، أمامه ابوصدر منزول شقيقة المناضل يونس أبوصدر منزول، الضابط السابق بالقوات المسلحة والذي انضم لاحقا للحركة الشعبية وهي من أرض الكواليب في جبال النوبة تعمل ممرضة ذهبت صباحا لتؤدي واجبها وتكد من أجل اسرتها وتخدم الناس وبالقرب من قصر الشباب والأطفال دهسها سائق من القوات النظامية، ولم تعود إلى منزلها مرة أخرى في 1/1 /2022م.
(بيبو) نسمة من نسمات السحر وبدر لم يكتمل، زين للشباب صادق وحازق وحارق وعازف وفنان في كل شئ حتى في موته وصورته الأنيقة، مختلف في كل شيء، حتى في استشهاده كان زعيما من زعماء جيله يتحدث عنه الناس وكأنه عاش 80 عاما
ويا زمن وقف شوية
اهدي لي لحظات هنية
بعدها شيل باقي عمري
شيل شبابي وشيل عينيا.
أجهزة الأمن غيرت طرق عملها ربما بنصيحة من الجوار القريب او البعيد فهي تستهدف المنظمين والموهوبين في الثورة إذاً فهي تستهدف المستقبل، وتنوي سحق الثورة والمنظمات الديمقراطية ويظل السؤال لقوى الثورة والتغيير الا يستحق ذلك أن نرد بمركز موحد للمقاومة او في أقل الفروض مركز للتنسيق بين قوى المقاومة؟ .
2
يسبح الشهداء في رحلة معاكسة تتسم بالعطاء والوفاء وايثار الوطن على الذات والتضحية بالنفس الغالية والانسان يحيى مرة واحدة والشهادة سباحة خارج المألوف، يسبح الشهداء ضد عالم الاستهلاك وضد الوجبات السريعة في سعيهم نحو الخلود وضد النهب الطفيلي الذي يخرب الأرض والحياة وضد الفساد والاسراف والشهداء من الديسمبريات والديسمبريين وهم من التنوع السوداني قادمين من كل ضفاف الوطن والشهداء غرباء ولكنهم أقرب إلى الوطن قادمون من كوكب دري وكأنهم لم ياتو من صلب واقعنا بتعقيداته القاسية والمبكية.
الشهداء جدارية تعاكس الزمان والمكان تكشف فساد الطلقات والاسلحة والمليشيات تكشف عطب المجتمع ان الرصاص يقتل الشهداء ولا يصيبهم، وان استشراء العنف من استشراء الفساد ولكن العالم لا يزال ينبهر بصورة المتظاهرين السلميين الذين لا يحملون السلاح وهم أقوى سلاح فالجسد يقابل الرصاصة وشراسة العنف والوحشية لماذا كل هذا العنف؟ الإجابة انه عصر نهب الموارد ومطاردة الثروات والجنود لا يدركون الصلة بين الذهب والرصاص المنهمر، وتفكيك طلاسم التاريخ والحاضر في الصفقات التي تعقد في فنادق 5 نجوم وتأمر بإطلاق الرصاص وتسجله في مضابط القضاء والقدر وحدهم الشهداء يبيعون أحزمة واقية من الخوف وضد نهب الثروات ولا يحملون أمتعة.
3
السلمية تقتضي ان نكون سلميين دون إشتباك ولا نتعلم قصف الحجارة وان نجذب الملايين من الجماهير نحو الفعل الثوري ونحو المواكب إن العنف يعزل الجماهير وليس لدينا عنف مضاد لدينا الملايين وإذا ظهر رئيس القضاء وكبار رجال النيابة وهم يبكون الشهداء والجرحى بعد طول غياب وصمت فإن في الأمر مكيدة فلنذهب إلى طابية ولنترقب ووحدة قوى الثورة والتغيير وحدها تداوي المكائد.
إنهم يحولون الانقلاب إلى نظام جمهورية يعين الوزارة وتدمج فيه كل أجهزة الحكم في يد واحدة وهذا تطور جديد. إنهم في مأزق عجز تام في الميزانية سيطبعون أوراق تعادل (233 بليون جنية سوداني) لتغطية العجز في الميزانية إنها مجرد أوراق لا يقابلها إنتاج وقد اوقف البنك الدولي مساعدات بحوالي (2) بليون دولار وجمدت أمريكا وأوروبا مساعداتها ولا إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي.
4
الشهداء رموز واشارات هائمة تبني ركيزة للوطن ولو بعد حين فالدم بليغ وفصيح يروي ارض عطشة خصبة بالعواطف والدم لا الرصاص من يصنع الحاضر ويبتكر المستقبل والدم يفتح الدوائر المغلقة فهو أقوى روابط الوطنية ونسيجها المنسوج من البطولة والشجاعة من ضفاف النهر القديم والشهداء أبناء النهر روحهم من روحه قبل أسرهم التي احبتهم وعلمتهم حب الوطن.
كل شهيد يحمل ركن من أرجاء الوطن ويثبت مقولة التنوع وتحمل صورته ابعادا ثقافية واجتماعية وسياسية والشهداء متعددي الوجوه والمواهب واللغات والسحنات ويشكلون الهوية الجمعية للوطن، كل شهيد يحمل حكايات الغرام المحزنة.
5
المتاريس لم تعد ليلة واحدة مثلما كان حالها في أكتوبر 1964م بل اضحت ثقافة وحارس لا يموت لأحلام الوطن.
إن الدم المراق بليغ الحديث شديد الخطر وجمر الشباب شديد الوهج لا ينتهي الا عند وطن جديد، والشهداء ذاكرة الثورة هدية الوطن من الديسمبريات والديسمبريين والشهداء سحر واسطورة وخيال وأرواح قديمة وجديدة من المغرة وعلوى وسوبا من كنيسة فرس من المهدي من الحمض النووي لجون قرنق ودعوته للسودان الجديد والى الوحدة في التنوع.
أحلام الشهداء مقيدة في دفاتر الغياب والحضور أيقونة وتمائم ومسبحة لاينفض عقدها يعضون على ما ضاع من فرص ويمسكون بالحقائق الهاربة يكسرون القيود وعسف التاريخ والنظرة الاحادية لهويتنا التي اضاعت الماضي وافسدت قدر لا يستهان به من الحاضر وغيرت خريطة الوطن وانسانه حتى ما عاد يتواجد في مليون ميل مربع ويزدهي بألوان الطيف الإنساني.
الشهداء عجين من الموت والحياة من صنع خباز عظيم يروضون شح النفس البشرية يقصفون بالانانية خارج الوطن من انسانيتهم المدرارة بحبنا يخلصوننا من كأبة الماضي ويعززون جماله ويبنون حائطا زاهي لمجتمع جديد رغم فداحة الثمن والجرح الذي لا يندمل والشهداء أوسع من الجغرافيا وضيق الإنتماء.