أعترف أن الأمر صدمني للغاية عند ملاحظته للمرة الأولى، فهل بالفعل حجم قارة أفريقيا الحقيقي يفوق مساحة نحو 18 دولة شاسعة المساحة منها الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند وأندونيسيا ومجموعة كبيرة من الدول الأوروبية؟
هذه هي الحقيقة للأسف التي كشفت عنها أخيرًا الخرائط الحديثة، والتي جاءت بدقة أكبر بكثير من الخرائط القديمة التي رسمها الأوروبيون للمواطنين في دولهم، وتدخلوا حتى في الحقائق الأساسية والمعلومات المجردة، ليوهموا سكان القارة السمراء بأنهم ليسوا فقط أقل في المنزلة الإنسانية، ولكن في الجغرافية والمكانية أيضًا.
فإذا ألقينا نظرة على أي خريطة قديمة سيتبين لنا بوضوح أن قارة أفريقيا شاسعة المساحة، ولكن مع ذلك فهي أقل بكثير من حجمها الطبيعي مقارنةً بأي مكان آخر حول العالم، مما يُشوِّه بوضوح تصورنا النهائي عن الأحجام النسبية لبقية البلدان والقارات.
المساحة الحقيقية للقارة الأفريقية
قد تبدو المعلومات علمية مجردة لكن نظرة سريعة عليها ستجعلك تفهم أي خداع تعرض له العالم على مدى قرون في تصور شكل العالم ومساحة القارات وعلاقتها ببعضها البعض، فيأتي كاي كراوس Kai Krause مصمم البرمجيات ألماني المولد ليُظهر الحجم الحقيقي للقارة الأفريقية على الخريطة كما يتضح من حدود البلدان.
فمن المعروف لكل علماء المسح الجغرافي والجيولوجيا أن مساحة القارة الأفريقية هي 30.37 مليون كيلومتر مربع، وبحسبة بسيطة على أكثر من 18 دولة ونسبة مساحتها إلى أفريقيا يتضح لنا أنها أكبر بكثير من الذي تُرسم به، وجاءت الدول التي تمت مقارنتها كالآتي:
- الولايات المتحدة الأمريكية 9.83 مليون كم مربع أي 32.4% من مساحة أفريقيا.
- الصين 9.60 مليون كم مربع أي 31.6% من مساحة أفريقيا.
- الهند 3.29 مليون كم مربع أي 10.8% من مساحة أفريقيا.
- المكسيك 1.96 مليون كم مربع أي 6.5% من مساحة أفريقيا.
- بيرو 1.29 مليون كم مربع أي 4.2% من مساحة أفريقيا.
- فرنسا 0.64 مليون كم مربع أي 2.1% من مساحة أفريقيا.
- إسبانيا 0.51 مليون كم مربع أي 1.7% من مساحة أفريقيا.
- بابوا غينيا الجديدة 0.46 مليون كم مربع أي 1.5% من مساحة أفريقيا.
- السويد 0.45 مليون كم مربع أي 1.5% من مساحة أفريقيا.
- اليابان 0.38 مليون كم مربع أي 1.3% من مساحة أفريقيا.
- ألمانيا 0.36 مليون كم مربع أي 1.2% من مساحة أفريقيا.
- النرويج 0.32 مليون كم مربع أي 1.1% من مساحة أفريقيا.
- إيطاليا 0.30 مليون كم مربع أي 1.0% من مساحة أفريقيا.
- نيوزيلندا 0.27 مليون كم مربع أي 0.9% من مساحة أفريقيا.
- المملكة المتحدة 0.24 مليون كم مربع أي 0.8% من مساحة أفريقيا.
- نيبال 0.15 مليون كم مربع أي 0.5% من مساحة أفريقيا.
- بنجلاديش 0.15 مليون كم مربع أي 0.5% من مساحة أفريقيا.
- اليونان 0.13 مليون كم مربع أي 0.4% من مساحة أفريقيا.
- إجمالي 30.33 مليون كيلومتر مربع 99.9% من مساحة أفريقيا.
إذًا يتضح من هذه المقارنات البسيطة أن مساحة قارة أفريقيا تبلغ أكثر من 3 أضعاف مساحة الولايات المتحدة الأمريكية أي أنها على الخريطة كان ينبغي أن تكون مقاربة للغاية لحجم القارتين الأمريكتين معًا، وليست فقط بحجم القارة الأمريكية الجنوبية كما يوحي الأمر الآن. فلم جاء هذا الرسم الصغير ولأي هدف؟
سبب التصور الخاطئ لحجم أفريقيا على الخرائط
في الواقع فإن مشكلة الخرائط لا تكمن في أن حجم أفريقيا غير صحيح، فعلى العكس يُعتبر حجم أفريقيا هو الأكثر دقة باستخدام إسقاط خريطة ميركاتور الأكثر شيوعًا في رسم الخرائط، وهي الطريقة التي اخترعها العالم الجغرافي ورسام الخرائط الفلمنكي جيراردوس ميركاتور.
وتقوم هذه الطريقة على تخيل إحاطة الكرة الأرضية بأسطوانة تلامسها عند خط الاستواء، مما يؤدي إلى إسقاط كافة سمات الأرض على الأسطوانة، وتُفتح بعد هذا ليكون شكل الخريطة مستطيلًا ذا خطوط أفقية ورأسية، وبحيث تكون الخطوط العمودية متوازية وعلى مسافات متساوية، في حين أن الخطوط العرضية تكون متوازية أيضًا ولكن على مسافات متباعدة إذ تزيد المسافة بين خطوط العرض عند الاقتراب من القطبين.
ومشكلة هذه الطريقة أنها تُغيِّر شكل القارات، ويزيد التشوُّه كلما اقتربنا من القطبين حيث يتم “شدّ” المناطق الأقرب للقطبين، مما يمنحها حجمًا أكبر من حجمها الحقيقي على هذا النوع من الخرائط، في حين أن أفريقيا القريبة من خط الاستواء تظل بحجمها نفسه تقريبًا دون تغيير.
وهذه المعضلة في الحقيقة مثيرة للاهتمام ليس فقط في قارة أفريقيا ولكنها تعتبر أكثر تأثيرًا على نصف الكرة الجنوبي بأكمله سواءً أمريكا الجنوبية أو الهند والشرق الأوسط وحتى أستراليا إذ تمنحنا تصورًا ذهنيًا غير صحيح للحكم على الأحجام النسبية للبلدان الأخرى.
هل تعمدت الدول الغربية رسم أفريقيا بطريقة أصغر؟
في الواقع تصعب الإجابة على هذا السؤال، ففي حين انطلقت مبادرة معرفة الحجم الحقيقي للقارات من مدارس بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك لمساعدة الطلاب على معرفة العالم من منظور مختلف، فإن هذا لا ينفي مسؤولية الاستعمار الأوروبي.
فتتمثل إحدى مخاطر خريطة مركاتور في أنها يمكن أن تجعل الدول المشدودة أو الموسعة تبدو كبيرة وقوية ومخيفة بشكل غير طبيعي ومنافٍ تمامًا للواقع، ففي حين تبدو كندا على الخريطة مساوية تقريبًا لأفريقيا، إلا أنه يمكن للقارة السمراء على أرض الواقع أن تتسع إلى 3 دول من كندا، وفي حين تبدو روسيا شاسعة المساحة، وهي بالفعل كذلك، لكن ليس إلى حد مقارنتها بحجم أفريقيا.
وتؤكد أساتذة الإعلام والسياسة أن الخرائط السائدة حتى الألفية الثالثة موجودة ومعترف بها وتعتبر الأشهر منذ عهد الإمبراطورية البريطانية، والتي كان لها بالتأكيد مصلحة في إظهار الدول الأفريقية في شكل أصغر، ولكن هل تم تعمد هذا؟
في الواقع يؤكد الجغرافيون أنه لا توجد خريطة مثالية، وهذا لأن الأرض كروية وأقرب إلى شكل البطاطس ومن المستحيل رسمها على سطح مستوٍ دون أخطاء في التناسب. فهناك مثلًا إسقاط بيترز الذي بدأت مدارس بوسطن في الدعوة لاستخدامه، وهو يُظهر فعليًا الحجم الفعلي لقارات الكرة الأرضية، ولكنّه من ناحية أخرى يُظهرها مشوَّهة وليست دقيقة من حيث الشكل مثل منظور مركاتور.
كما بدأت دول أخرى مثل ألمانيا وأيضًا الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام إسقاط آخر في رسم الخرائط وهو إسقاط وينكل تريبل Winkel Tripel، وهو يتسم بقدرٍ أقل من الانحرافات والتشوهات.
ولكن الواقع أن طريقة مركاتور هي التي لا تزال الأكثر شهرة وقد عززت الثورة الرقمية من مكانتها بعد اعتمادها رسميًا في خرائط غوغل وبينج و OpenStreetMap وغيرها.
إذا لم يكن من الممكن في الوقت الحالي الحصول على خريطة دقيقة في الشكل والحجم لقارات العالم، فإنه من الضروري أن يقرأ الطلاب حول العالم النسب الحقيقية على الأقل للتعرف على الحجم الحقيقي للدول والقارات المختلفة، والتخلص من الإحساس الزائف بالقوة والهيمنة لبعض الدول على حساب دول أخرى حول العالم.