بدوي يا ود الحلة.. عاشق وحياة الله (1)

0 71

كتب: البراق النذير 

.

كان التعريف في زمننا الغابر بين من هو (ود حِلة) ومن هو منعزل يقوم على مقدار ما يجيده أحدنا من مهارات في الألعاب خلال الحياة اليومية في الحي أو “الحِلة”، والمنعزل في الغالب لديه اهتمامات بنسب تتفاوت بين الجماعي، الثنائي، والفردي، أما ود الحلة فهو.. ود الحلة.. كرة قدم نلعبها حفاة ونصف عُراة، كرة طاولة على رف خشبي قديم وبمضارب فورمايكا وكرة بيضاء صغيرة مجلوبة من مكان ما، لا نسأل عنه طالما هي متوفرة، وكونكان( هي في الحقيقة كش الولد) بورق مستكمل من أنواع كشاتين مختلفة، ورقعة شطرنج بعض الجنود فيها صنعوا بطريقة مفجعة ومفزعة من فحم ولوح صابون، و(شلّعت) بكرة مصنوعة من شرابات ملونة ومهترئة معلقة على عمود النور، وألعاب أخرى يمكن أن توصف بأنها لإنسان ما قبل الأتاري والبلي ستيشن (play station) كاللعب بأحجار البطارية حيث يمثلون لاعبي كرة قدم، مع ذات كرة الطاولة المجلوبة من مكان ما، وملعب مخطط ببقايا جير مطفأ، أو اللعب بالسيوف الخشبية في تمثيل لمعارك السيوف في مسلسل (لا إله إلا الله)، وخلافها من الألعاب.
لم تكن السياسة من ضمن اهتمامات ساحات الأحياء أو ربما لم تكن تمارس بصورة سافرة، بل كانت مهارات فردية أو مقرونة بخلفية الأسرة ومواقفهم وونساتهم، أو عبر رسائل تتضمن محتوى سياسي تتلقاها هنا وهناك من المعلم في الفصل أو أصدقاء الإخوة الكبار، ولكن بعد انقلاب الإنقاذ – وهي الفترة التي بدأ يتشكل فيها وعينا- ظهرت المحاولات المستميتة من (الكيزان) للتجنيد عبر السيطرة على فريق الكرة أو بتوفير طوالات خضراء تسُر الناظرين داخل الأندية الشعبية، أو غيرها من المداخل السهلة المتاحة. وكانت خطة التجنيد تقوم على جذب الشباب اليافع لهذه المغريات الصغيرة، ثم يتم السحب للجوامع- هكذا كنا نسميها قبل أن يسيطر اسم مساجد- لأخذ دروس دينية من شخص ملتحٍ، يدس بين ثناياها مشروع الإسلام السياسي ومشروع الإنقاذ.
أذكر في يوم هدَّدنا مدرب الفريق في الحي والذي كان ينتمي لذلك التنظيم، بأنه وعند نهاية التمرين يجب على الجميع أن يذهبوا فوراً لأداء صلاة المغرب في الجامع، وإلا سيعاقب بألا يكون جزءاً من التمرين اللاحق. استجبت ضمن الآخرين للتهديد، وذهبت وأديت صلاة المغرب ثم عُدت إلى البيت وأنا أحمل بين يدي ما يكفي من منطق لإقناع الوالد- رحمه الله- بسبب التأخير لما بعد غياب الشمس، وقد كان الحضور للمنزل بعد الإظلام ذنب عظيم تعقبه عقوبة رادعة.
عُدت وأنا مزهو بأنني أقمت الصلاة جماعة في “المسجد”، وبدلاً عن التلصص كالعادة نحو الحنفية الأرضية لغسل أقدامي من غبار معركة الكرة، اتجهت نحو والدي الذي لم يكن قد قام من مصلاته بعد، بمشية طاؤوسية وبشجاعة الواثق من حسن ما أدَّى في حياته لما بعد مماته.. سألني أبي: أين كنت؟ أجبت بلا تردد: كنت في المسجد لأداء صلاة المغرب.. (انت لا تذهب للمسجد عادة) قالها بهدوء وأردف: بل حتى صلواتك هنا في المنزل متقطعة و(بالنهزرة).. قلت: المدرب وجَّهنا بذلك.. أومأ ثم قال: أدخل الأوضة.. وكان ذلك الأمر مدهشاً ومخيفاً ومباغتاً.. فأنا بخبرتي السابقة، أعلم فحوى هذه العبارة ومآلاتها.. وقد كان أن أخذت علقة ساخنة أعقبها درس أخلاقي.. وبعض من هذا الدرس أذكر أن أبي قال فيه: يا بني الصلاة البمشوها عشان خاطر التمرين دي تجارة.. يا بني الناس البيسوقوك للجامع بمقابل بكرة بيطلعوك منه بمقابل برضو.. يا بني المكان الما بتمشيه برغبتك ما بتعمل فيه بقناعتك والمكان البتمشيه برغبة ناس تانيين أكيد ح تعمل فيه الدايرينك هم تعمله.
وكان هذا درساً عظيماً…
يتبع

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.