نهب الذهب الدموي في السودان (1)

0 67

كتب: تاج السر عثمان بابو

.

   مقدمة:

 

1. نتابع في هذه الحلقات الخلفية التاريخية للذهب في السودان ، وإنتاجه ومشاكل التعدين ، واستنزافه ونهبه كثروة ناضبة بالاشكال المختلفة للتهريب ، وبواسطة نافذين في الدولة والذي توسع إنتاجه والبحث عنه في عهد حكم الإسلاموينن بعد تدمير وخصخصة المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية” السكك الحديدية ، النقل النهري ، الخطوط البحرية ، الخطوط الجوية ،. الخ)، وانفصال الجنوب ، وفقدان 75% من عائدات البترول ، والابادة الجماعية وتهجير للسكان المحليين للاستيلاء علي مناطق وجبال تعدين الذهب كما حدث في جبل عامر بدارفور ، اضافة للاثار البيئية الضارة للتعدين العشوائي باستخدام مواد السيانيد ، والزئبق ، .الخ ، واثرها علي الانسان والحيوان والأرض والنبات، وضعف اجراءات السلامة التي تؤدي الي موت أعداد كبيرة من المعدنين ودفنهم في المناجم المنهارة.كما نواصل الدق علي ناقوس الخطر بضرورة الحفاظ علي هذه الثروة وضمان حقوق المجتمعات المحلية بنسبة معينة لتنميتها من عائدها ، وحقوق الأجيال القادمة ، بالاستفادة من عائده في الاستثمار في الثروات المتجددة الزراعية والحيوانية . والغابية والمائية ، باعتبار الذهب احتياطي يقوي موقف البلاد النقدي.

وكنت قد تابعت إنتاج النفط بعد استخراجه وتصديره منذ العام 1999 في كتاب بالاشتراك مع الأستاذ عادل احمد إبراهيم بعنوان ” النفط والصراع السياسي في السودان ، 2006 ” أشرنا فيه لضرورة الاستفادة من عائدات النفط في دعم الإنتاج الزراعي والصناعي والحيواني والبنيات الأساسية ، ولأن النفط ثروة ناضبة ، ولكن ذلك لم يتم وتم نهب عائدات البترول من الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات ، وتهريبها للخارج ، اضافة لنهب ثروات السودان وصب الزيت علي لهب الصراع في الجنوب ، بعد اكتشاف شركة شيفرون الأمريكية للنفط ، وتفاقم مشكلة الجنوب بعد أن الغي الديكتاتور نميري عام 1983 اتفاقية اديس أبابا وتقسيم الجنوب ، واندلاع الحرب الأهلية من جديد ، حتى الانفصال بعد اتفاقية نيفاشا ، وكان من اسباب التعجيل به اكتشاف النفط الذي فتح شهية الانفصال بالاستحواذ علي كل عائداته بدلا من اقتسامه ، هذا اضافة لتدمير البيئة والغابات ، والموارد المائية، وطرد أعداد كبيرة من سكان الجنوب و النوبة من أراضيهم لمرور أنابيب النفط لميناء بورتسودان بواسطة الشركات الصينية وغيرها من المؤسسات التي كانت عاملة في النفط.

كما تناولت في دراسة سابقة بعنوان “الصراع على الأرض في السودان” نشرت في حلقات في المواقع الالكترونية تناولت تطور ملكية ونهب الأراضي في السودان في الفترات التاريخية المختلفة ، وخاصة بعد ارتباط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي وشهد بذور إدخال نمط الإنتاج الراسمالي في عهد الاحتلال التركي – المصري الذي نهب ثروات البلاد من ذهب ، معادن ، ضرائب باهظة ، قوى بشرية ، محاصيل نقدية وماشية . الخ ، وحقق ارباحا هائلة تم تحويلها لمصر لمصلحة الطبقات المالكة فيها ، كما تم فيه نهب اراضي السودانيين من قبل الأجانب” مصريون، اتراك ، تجار محليين . الخ ” ، وادخال زراعة المحاصيل النقدية “صمغ ، نيلة ، قطن ، الخ” ، واصدار قوانين الملكية الخاصة للأرض.

كما تمّ هجوم الشركات الرأسمالية الاقليمية والعالمية علي الارض في السودان بعد الاحتلال الانجليزي للسودان بهدف تحويل البلاد لمزرعة قطن كبيرة لمد مصانعه في لانكشير بالمادة الخام ، علي أساس التبادل غير المتكافئ ، اصبح السودان مصدراً للمواد الخام ومستورداً للسلع الرأسمالية، وقامت مشاريع القطن في الجزيرة والقاش وطوكر وجبال النوبة ، اضافة للمشاريع الخاصة للقطن علي النيلين الأبيض والأزرق ، ومشاريع الطلمبات في الشمالية ، الخ ، اضافة للاستثمار في الزراعة الآلية المطرية التي بدأت إثناء الحرب العالمية لمد قوات الحلفاء في شمال افريقيا بالغذاء ، وبنهاية الاستعمار كانت المؤسسات الاستعمارية قد حققت ارباحا ضخمة من زراعة القطن ونهب ثروات البلاد الأخري ، وتحويل معظم الأرباح التي حققتها شركة السودان الزراعية إلى خارج البلاد في شكل عائدات لاصحاب الأسهم ، علي سبيل المثال : كان أجمالي أرباح الشركة في السنوات الأربع الأخيرة (1947 – 1950 م) اكثر من 9.500.000 جنية إسترليني (تيم نبلوك : صراع السلطة والثروة في السودان ، ص ، 29 _30) ، أي أن الاستعمار كان ينهب ويستنزف قدرات البلاد الاقتصادية ، ويصدر الفائض الاقتصادي اللازم لتنمية البلاد إلى الخارج ، وفى النهب أيضا ترد مرتبات كبار الموظفين والإداريين الإنجليز ، ففي عام 1945 م بلغ نصيب 771 موظفا إنجليزيا 61.3 % من إجمالي المرتبات في الميزانية ، وعندما أحيل هؤلاء الموظفين للمعاش عام 1954 م تقاضوا تعويضا مقداره 1.590.00 جنية مصري ، وهذا النهب الاستعماري ، ومن كل النواحي ، يجعلنا نؤكد أن المستعمر جاء لينهب الشعب السوداني ، وبالتالي كان ذلك من أسباب تخلف السودان الاقتصادي والاجتماعي.

2 . واتسع نهب الأراضي بشكل كبير بعد الاستقلال وخاصة في عهد ديكتاتورية مايو بعد اصدار قانون 1970 الذي فتح الطريق للشركات الرأسمالية الاقليمية والمحلية للاستثمار في الزراعة الآلية ، وتم نهب الأراضي في القطاع النقليدي المطري ، وتم طرد السكان المحليين من اراضيهم ، وتحقيق ارباح بمليارات الدولارات تم تهريبها للخارج ، وبدلا من أن يكون السودان سلة غذاء العالم اجتاحته مجاعة 83 / 1984 ، بعد تدمير البيئة باقتلاع الالاف من الاشجار ، وضيق مساحات الرعي والزراعة المعيشية للقبائل مما أدي للنزوح والصدام القبلي بين الرعاة والمزارعين ، وانضمام شباب الجنوب وجبال النوبا للكفاح السياسي والمسلح دفاعا عن اراضيها ، وهروب الثروة الحيوانية للدول المجاورة، ونقصان العائد من محصول الصمغ بعد قطع الاف الأفدنه من اشجار الهشاب ، وحدث النزوح الكبير من غرب السودان للخرطوم وغيرها ، كما تمّ تهريب الأرباح والفائض الاقتصادي علي سبيل المثال شهدت الفترة (78 / 79 – 84 / 1985م) اكبر عملية تهريب لرؤس الأموال السودانية الى الخارج ، وتم تقدير رأس المال الهارب بحسابات مختلفة : 19 مليار دولار ، 16 مليار دولار ، 11 مليار دولار ، ومهما يكن من امر ، إذا أخذنا المتوسط حوالي 15 مليار دولار ، نلاحظ من ذلك ان الفائض الاقتصادي اللازم لاستثماره في السودان والذي تم تصديره للخارج كان ضخما ، وانطبق علينا المثل السوداني القائل (ميتة وخراب ديار) ، أي ديون بلغت 9 مليار دولار ورأس مال هارب بلغ في المتوسط 15 مليار دولار.

وحسب د . على عبد القادر على : أن القطاع المصرفي السوداني يقف متهما بتمويل عملية تهريب رأس المال من خلال تمويله لعمليات السوق السوداء للنقد الأجنبي ، ونلاحظ سريعا إن القطاع المصرفي مملوك للدولة بنسبة 60 % !! (د . على عبدالقادر على، حول سياسات التصحيح وهروب رأس المال ، الكويت ، فبراير 1988).

كما تمت أكبر عملية لنهب الأراضي في عهد الانقاذ ، وخاصة بعد انفصال الجنوب ، وإعادة تمليك الأجانب للاراضي ، والايجارات التي تصل مدة عقدها الي 99 عاما ، اضافة لفقدان اراضي السودان مثل : اغراق مدينة حلفا التاريخية في عهد ديكتاتورية عبود ، وفي عهد البشير تم فصل الجنوب واحتلال المصريين لحلايب وشلاتين وابورماد . الخ ، واحتلال اثيوبيا للفشقة ، وغير ذلك من ممارسات الأنظمة الديكتاتورية العسكرية التي دمرت البلاد والعباد ، وتم تهريب عائدات النفط وغيرها للخارج علي سبيل المثال : اظهر تقرير منظمة النزاهة المالية الدولية اختفاء 31 مليار دولار في عهد البشير من الصادرات السودانية ما بين عامي 2012- 2018، اضافة لتهريب عائدات النفط التي تُقدر بأكثر من 75 مليار دولار ، تم تهريبها لماليزيا وغيرها.

والآن تستمر الممارسات نفسها في نهب ثروة الذهب في السودان ، وتهريب أكثر من 70% من عائداته للخارج ، علي سبيل المثال : متوسط إنتاج الذهب بين 100- 250 طن (الشرق الأوسط :11 يناير 2020) ، وتُقدر العائدات بحوالي 8 مليار دولار ، في حين التقديرات الرسمية للحكومة بين 82- 93 طن (موقع الجزيرة 5/1/ 2017) ، بعائدات تُقدر بمتوسط 850 مليون دولار ، مما يعكس حجم النهب والتهريب الكيير لعائدات الذهب في السودان ، وفقدان الدولة لثروة كبيرة ، مما يتطلب اوسع حملة لوضع الدولة يدها علي ثروة الذهب لمصلحة تقدم وتنمية البلاد حتى لايتم تبديدها كما حدث للنفط.

وأخيرا ، عملية نهب الأراضي وابادة وتهجير السكان الاصليين والشروط القاسية التي يعمل فيها المعدنون في استخراج الذهب والذين يتعرضون احيانا للموت والدفن في المناجم نتيجة انهيارها ، وفي ظروف عمل اشبة بالاسترقاق بحثا عما يقيم أود الحياة لمصلحة شركات أجنبية وأفراد رأسمالينن يحققون أكبر تراكم رأسمالي بدائي من تلك العملية اشبه بما وصفه ماركس في مؤلفه “الرأسمال” المجلد الأول : “إن اكتشاف الذهب والفضة في أمريكا وافناء السكان الأصليين واسترقاقهم ودفنهم في المناجم ، وبداية غزو ونهب جزر الهند الغربية ، وتحول افريقيا الي منطقة لصيد ذوى الشرة السوداء علي نطاق تجاري ، كل ذلك أعلن الفجر الوردي لعصر الإنتاج الرأسمالي” (كارل ماركس ، الرأسمال ، المجلد الأول ، مزسكو 1974 ، ص 704).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.