تعليقات في السياسة الداخلية
كتب: سليمان حامد الحاج
.
*إلى متى تتعلق هيئة الأمم المتحدة بالمجلس العسكري الانقلابي الذي افتقد أي مصداقية؟!*
لا زالت هيئة الأمم المتحدة تعلق آمالاً على المجلس العسكري الانقلابي الدموي لحل الأزمة في البلاد. ولا زالت تثق في التصريحات المخادعة التي يطلقها البرهان بأنهم في مجلس السيادة سيحلون أزمة البلاد عبر التفاوض مع الجميع.
عبر فولكر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عن ذلك بقوله (هناك ثلاث مؤشرات مهمة يجب مراقبتها للتأكد من العودة إلى المسار الانتقالي في السودان، تتمثل في تشكيل حكومة تكنوقراط بحرية ورفع حالة الطوارئ المعلنة في 25 أكتوبر واستعادة حرية التعبير.) (راجع صحيفة اليوم التالي 12/12/2021م).
ولم يُنفذ أيٌّ من تلك المؤشرات الثلاث. لم تتكون حكومة تكنوقراط، بل تم تكليف لوكلاء الوزارات بتسيير دفة التنفيذ. ولم ترفع حالة الطوارئ المعلنة منذ 25 أكتوبر وحتى يومنا هذا، وفي مكان استعادة حرية التعبير، تضاعف القهر والتنكيل وإطلاق الرصاص الحي وقتل أكثر من 77 شهيداً منذ 25 أكتوبر وحتى مساء 29/1/2022م وجرح ما لا يقل عن 177 مواطناً ومواطنة، خرجوا في مسيرات سلمية تعبيراً عن رأيهم الرافض للانقلاب العسكري وحكم العسكريين القتلة.
وتصاعد الهجوم الأمني على المؤسسات الصحفية والإعلامية والقنوات العالمية، كما حدث مع صحيفة التيار لمجرد نشرها قصيدة ناقدة لممارسات (الكيزان). الشيء الذي يؤكد ما ذكرناه من قبل عن أن هذا المكون العسكري ومجلسه هم مجموعة الدفاع عن نظام شريحة طبقة الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة، والحراس لمؤسسة الاخوان المسلمين بكل مكوناتها الاقتصادية والسياسية والخدمية وغيرها. والكيزان هم الحكام الحقيقيون من وراء ستار. وتجسد أيضاً في سحب ترخيص قناة الجزيرة مباشر بادعاء أنها تنشر ما هو مناقض للتقاليد السودانية. ولم يشر هذا الافتراء على القناة أي كلمة أو عبارة تعبر عن اتهامها للقناة، التي تكشف وتعري ممارسات الإنقلابيين ضد شعب السودان ومسيراته المليونية السلمية. وقد وجد هذا استنكاراً واسعاً في جميع المنظمات والهيئات الإعلامية والصحفية العالمية، واستهجاناً وتنديداً من دول عدة من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا وغيرهم.
إن موقف هيئة الأمم المتحدة يدعو للريبة والشك في مصداقيتها، ويفقد هيئة بهذا الحجم والمسؤولية ثقة شعب السودان، وهي تعلم علم اليقين أن ممارسات البرهان ومكونه العسكري لا يمكن أن تقود إلى أي حل للأزمة السودانية، بل تعقدها وتعمق من الكارثة التي تحل بالبلاد.
كيف تصدق هيئة الأمم المتحدة البرهان الذي نفذ انقلاباً عسكرياً شهد شعب السودان والمجتمع الإقليمي والعالمي أجمعه أنه انقلاب مكتمل الأركان والأهداف، ينكره ويقول أنه (ليس انقلاباً بل تصحيحاً للمسار)!!
كيف تصدق هيئة الأمم المتحدة وتثق في تصريحات البرهان التي يؤكد فيها أنه سيحل أزمة البلاد عبر الحوار مع الجميع، ويلحس كل ذلك بممارسة لأقصى درجات العنف والقتل الجماعي ضد المظاهرات السلمية بالرصاص الحي المنطلق من الراجمات والمدافع المضادة للطائرات.
فأي حوار هذا الذي يتم بينما سيف العنف المشرع – قنابل مسيلة للدموع وقنابل صوت حارقة وقاتلة، وضرب بالرصاص الحي- أي حوار هذا يا هيئة الأمم المتحدة. وكيف يتم حوار ديمقراطي في ظل حالة الطوارئ المعلنة منذ 25 أكتوبر وحتى يومنا هذا؟!!
يؤكد مصداقية ما ذهبنا إليه ما صرحت به مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لقائه الجزيرة مباشر في 25 يناير 2022م قائلة: (إن القادة العسكريين التزموا في لقائي بهم بالحوار ووقف العنف، لكن أفعالهم بارتكاب المزيد من العنف والقتل يظهرون شيئاً آخر، وأنهم سيواجهون عواقب وخيمة من جراء استعمال العنف المفرط ضد المتظاهرين).
وقال المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميغل، أن (السلطات العسكرية السودانية غير مستعدة لحل سلمي للأزمة في السودان)!! (راجع قناة الجزيرة 18 يناير 2022م).
من جهة أخرى صرح دبلوماسي أمريكي لقناة الجزيرة مباشر في 27/1/2022م (قادة الجيش السوداني يقولون عكس ما يفعلون وواشنطن سئمت من هذا الكذب).
مع ذلك وبالرغم منه، فإن تلك التصريحات لا تعدو سوى الحرص على وجود نظام مستقر يخدم مصالح الرأسمالية العالمية الراهنة والمستقبلية في السودان وفي البلدان الأخرى إنطلاقاً منه.
وقد أكد نظام البرهان الانقلابي ومعيته من العسكريين والموالين من الحركات العسكرية والأحزاب المدنية، عجزه وضعفه وعدم استقراره. وكل المؤشرات تؤكد أن ثورة شعب السودان ستطيح به قريباً.
كذلك تعبر تلك التصريحات عن ما يمور به الواقع السوداني المتجسد في رفض الأغلبية الساحقة من الجماهير للانقلاب العسكري الدموي والحكم العسكري نفسه ، وقد عبرت مسيراتها المليونية عن لاءات لا تراجع منها: (لا تفاوض، لا شراكة، لا مساومة مع العسكر القتلة.) وأي موقف غير هذا مرفوض جملة وتفصيلاً. وشابات وشباب السودان البواسل الذين تنظمهم لجان المقاومة في كل أرجاء الوطن مستعدون لتقديم المزيد من التضحيات ثمناً لهذا النصر المؤكد طال الزمن أم قصر.
إنهم بكل الوعي يترسمون خطاهم نحو المستقبل، واضعين يدهم في يد كل قوى الثورة الحية المستعدة للسير استكمالاً لمشوار الثورة حتى تحقيق أهدافها.
وكان موقف الحزب الشيوعي المبدئي صادقاً ومعبراً عندما قال في (كلمة الميدان) الصادرة في الثلاثاء 25 يناير 2022م: (إن الوصول إلى هذا الهدف بإجماع القوى الحية سيفرض على المجتمع الدولي وأصدقاء السودان موقفاً مغايراً، إما مع الثورة والتحول الديمقراطي السلمي وإما مع الديكتاتورية والعنف الممنهج ضد الثوار.
لتتحد قوى الثورة وتنجز بأدواتها المجربة تنظيم الجماهير العاملة في أماكن العمل والسكن والدراسة، ولتبدأ في عملية التحضير للإضراب السياسي العام والعصيان المدني، ولتتقدم في شجاعة وجسارة لانتزاع حقوق الجماهير وهزيمة أعداء الثورة.).