“مصر وجوارها الإفريقي… النهر الخالد والتاريخ العريق”
كتب: د. عمرو حمزاوي
.
تحل اليوم الذكرى السنوية لثورة يناير 2011 التي نشد من شارك بها من المصريات والمصريين مستقبلا ديمقراطيا (الحرية) وأمانا اجتماعيا (العدالة) وظروفا معيشية أفضل (العيش). أطلقت 25 يناير أيضا العنان لآمال كثيرة أخرى، كان من بينها إعادة مصر إلى القارة الإفريقية التي ابتعدت عنها في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس الأسبق مبارك.
واليوم، وبعد أن اختلفت الأحداث وتعاقبت في بر المحروسة، مازالت عودة مصر إلى جوارها الإفريقي تتأرجح بين غير قائمة وغير مكتملة. وإذا كنا نريد تغيير ذلك، ليس فقط من أجل حل معضلة الاقتسام العادل لمياه نهر النيل وحماية الأمن المائي لمصر أو بغية البحث عن أسواق للمنتجات الوطنية، فعلينا من بين أمور أخرى العمل لتنشيط التعاون الثقافي والفني والأكاديمي مع بلدان القارة السمراء.
وقد أتاحت لي الأيام الماضية في جامعة ستانفورد فرصا للحوار مع أدباء ومثقفين وأكاديميين أفارقة من الرافضين للتقسيم الاستعماري لإفريقيا بين شمال القارة وجنوبها ومن المهتمين بجسر الفجوة بين مصر وجوارها الإفريقي. وتبلورت من خلال الحوار حزمة من الأفكار الأولية التي يمكن توظيفها لتحقيق ذلك.
فمن جهة أولى، تشترك مصر مع الكثير من بلدان إفريقيا في الوقوع ضحايا للنهب الأوروبي (الغربي عموما) لآثار وتراث الحضارات القديمة التي بزغت منذ آلاف السنين. تحتوي المتاحف والمعارض الأوروبية والأمريكية على أقسام ومجموعات هائلة من الآثار المسروقة للحضارات الإفريقية القديمة. يحفز التشارك في هوية «الضحية» على الاشتراك في عمل ثقافي (وربما دبلوماسي وسياسي) لاستعادة ما نهب وإعادة توطينه في مكانه الطبيعي، من مصر والسودان والكونغو وكينيا إلى بلدان الغرب والجنوب الإفريقي.
من جهة ثانية، ينطبق ما يقال عن الآثار على الأرشيف التاريخي للبلدان الإفريقية قبل وأثناء الحقبة الاستعمارية. ربما تكون مصر قد نجت من نهب ذاكرتها التاريخية حيث لم تنهب وثائقها، إلا أن العديد من دول القارة حرم من توثيق تاريخه القديم والحديث بسبب استيلاء المستعمرين على الأرشيف ونقله محتوياته إلى الحواضر الأوروبية. على سبيل المثال، يوجد أرشيف القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للكونغو ونصف القرن العشرين (زائير سابقا) في أرض المستعمر السابق، بلجيكا. ويمتد ذلك إلى بلدان أخرى عديدة. هنا لا تقل أهمية العمل على استعادة الوثائق التاريخية عن أهمية التشارك لاستعادة الآثار المنهوبة.
من جهة ثالثة، هناك اتحادات للكتاب والمثقفين والفنانين والمبدعين في العدد الأكبر من البلدان الإفريقية، وتستطيع هذه الاتحادات أن تنهض لتشكيل حلقات للتواصل على امتداد القارة، إن هي توقفت عن النظر الأحادي إلى أوروبا والغرب ومدت البصر إلى جوارها القريب والبعيد في إفريقيا.
كمتابع غير متخصص، أعرف على سبيل المثال أن هناك تشكيلات إفريقية لاتحادات الكتاب وأن هناك بعض التظاهرات الفنية التي تهتم بالفن والإبداع في القارة (كمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية). فعل المزيد على هذه المستويات يمثل مدخلا ضروريا للغاية لتعريف الشعوب بالمنتج الأدبي والثقافي والفني في القارة والتقريب بين المبدعين الإفريقيين الذين لا تنظر أغلبيتهم إلا إلى الغرب.
من جهة رابعة، وعلى الصعيد الأكاديمي، يمكن الإفادة من البرامج الأوروبية والغربية العديدة التي تنشط التعاون بين الجامعات داخل أوروبا وبينها وبين الجامعات الأمريكية الشمالية وبينها وبين جامعات بلدان الجنوب التي تصنف بداخلها الجامعات الإفريقية.
نحتاج قاريا لأكثر من معهد للدراسات الإفريقية على نظير ذلك الذي أسسته جامعة القاهرة في خواتيم القرن العشرين. نحتاج قاريا لبرامج لتبادل الطلاب على شاكلة برنامج «اراسموس» الأوروبي، بحيث يتحرك طلاب الجامعات الإفريقية على امتداد القارة كجزء من دراستهم وبحيث يتحول التعرف على أحوال بلدان في الجنوب والغرب والشرق والشمال الإفريقي إلى مكون أساسي في المناهج الجامعية وفي الخبرات الحياتية. نحتاج لمنح دراسية كتلك التي يقدمها الأزهر والحكومة المصرية للدارسين الأفارقة، نحتاج إليها على امتداد القارة السمراء.