كتب: تاج السر عثمان بابو
.
1. مع تسارع خطوات التسوية بهدف تصفية الثورة ، وقطع الطريق أمام الحل الجذري للأزمة الوطنية في البلاد الممتدة منذ الاستقلال في أول يناير 1956 ، تواصل مليشيات الانقلاب الدموي القمع الوحشي للمواكب السلمية بهدف اخماد نيران الثورة تمهيدا للتسوية ، واستعراض القوات العسكرية في الشوارع ، وهو انقلاب اصبح أوهي من خيوط العنكبوت ، ويستمر القمع الوحشي للشاب والأطفال في مواكبهم السلمية ، كما حدث في مواكب 10 مارس مما أدي لسقوط الشهيدين محمد مجدي مكي في أم درمان ، ونبيل يحي(15 سنة) في بري ، ليصل عدد الشهداء منذ الانقلاب في 25 أكتوبر 2021 الي (87) شهيدا ، اضافة لأكثر من(2600) اصابة، ومئات المعتقلين ، فضلا عن التعذيب الوحشي للمعتقلين والهجوم علي المستشفيات والدهس بالمصفحات والضرب بالدوشكا والرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع ، وحرق المنازل والمحلات التجارية ونهب ممتلكات المواطنين والمتظاهرين السلميين ، وحلق شعر الشباب وغير ذلك من جرائم مليشيات الاحتلال التي بدأت تحاصرها كل منظمات حقوق الانسان وتطالب بتقديم المجرمين للمحاكمة والادانات الدولية لكل الدول وراء الانقلاب والتي تنهب ثروات السودان.
تزامن مع القمع الوحشي للمواكب السلمية الهجوم الغادر من مليشيات حكومية علي المواطنين بمحلية “صليعة” بجبل مون الغني بالذهب واليورانيوم ، مما أدي الي مقتل أكثر من 36 وعشرات الجرحي والمفقودين ، وتهجير المئات وحرق 4 قري ، كما تم قطع الاتصال مع التزامن مع الهجوم مما يؤكد الاتهام لمليشيات الحكومة (الدعم السريع) بهدف نهب الذهب واليورانيوم ، بالتهجير واخلاء المنطقة من السكان ، اضافة لنشاط الشركات الروسية في دارفور لنهب الذهب واليروانيوم . كل ذلك يتطلب اوسع ادانة للمجزرة ووتقديم المجرمين للمحاكمة .
2 . من الجانب الآخر يستمر تفاقم الأوضاع المعيشية وتذمر المواطنين كما حدث في السوق المركزي بالخرطوم بهجوم القوات الحكومية علي البائعين ومصادرة ممتلكاهم مما أدي لمواكب ومقاومة ، ورفض لمصادر وسائل كسب عيشهم ، كما اضرب المعلمون احتجاجا علي الهيكل الراتبي ، وكذلك عمال السكة الحديد الذين لم يصرفوا مرتباتهم ، اضافة لاضراب العاملين في التخطيط العمراني ، الخ ، فضلا عن تزايد السخط علي الزيادات المستمرة في الوقود وتعرفة المواصلات، والغاز والرغيفة التي وصلت الي 50 جنية في بعض المناطق ، كل ذلك يشير الي أن الانقلاب يسير في العد التنازلي ، ويمضي نحو سقوطه الحتمي .
3 . مع تسارع خطوات سقوط الانقلاب ، وتوجه كل انظار العالم الي السودان بعد زيارة حميدتي لروسيا وإعلانه لدعم روسيا ، ومنح قاعدة روسية علي البحر الأحمر ، مما جعل السودان في قلب الصراع الدولي ، وهو اصلا مشتد بهدف نهب موارده ، من خلال التكالب الاقليمي والدولي عليه لنهب الذهب وموارده ، وتصدير الرجال الي السعودية لحرب اليمن، واخماد الثورة السودانية حتى تؤثر في المنطقة بقيام نظام ديمقراطي يكون منارة في المنطقة ، كما في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس البعثة الأممية ” فولكر” ، ومبعوث الاتحاد الاوربي “ودلبات” طرح التسوية التي تعيد إنتاج الفشل ، واشارتهما الي أن :الاستقطاب الدولي يؤدي للشلل في مجلس الأمن ، والسودان في خطر كبير ، واستعجال الحل “التسوية”، دور المؤسسة العسكرية مهم لمواجهة تحدياتها الخارجية (علما بأنها فرطت في سيادة البلاد) ، وخلق المناخ المناسب بين العسكريين والمدنيين ، والدعوة للشرعية الدستورية وايقاف الانقلاب ، لكن المؤتمر الصحفي لم يتوقف علي اسباب الأزمة والجذور العميقة لها ، وفشل الشراكة التي جاءت بها “الوثيقة الدستورية” التي جاءت نتاجا للاملاءات الخارجية والتدخل الدولي الكثيف من : امريكا والاتحاد الاوربي ، والسعودية ومصر والاتحاد الافريقي والامارات ، والتي كرّست هيمنة المكون العسكري وقننت دستوريا مليشيات الدعم السريع في “الوثيقة الدستورية” والتي تضخمت حتى باتت تهدد السودان والوضع الاقليمي والدولي بتحالفها مع قوات المرتزقة في روسيا “فاغنر” بهدف نهب الذهب وتصديره للامارات وروسيا، وتطلعها لامتلاك طائرات “الدرون” والأسلحة الروسية المتطورة . مما يؤدي لاشتداد حدة الصراع الدولي بين أمريكا وروسيا بهدف نهب موارد السودان وافريقيا ، والوجود العسكري علي البحر الأحمر ، مما يشكل خطورة علي شعب السودان.
كل الحلول والتسويات التي جاءت من الخارج كانت وبالا علي شعب السودان ، منذ اتفاقية اديس ابابا 1972 التي فشلت في ظل النظام الديكتاتوري للنميري ، وكذلك اتفاقية نيفاشا ادت لفصل الجنوب ، واتفقيات ابوجا والدوحة والشراكة علي اساس ” الوثيقة الدستورية”، أخيراتفاقية جوبا التي فشلت وتحولت لمناصب ومحاصصات ونهب لممتلكات المواطنين، باسم شعب دارفور ، وشعب دارفور في المعسكرات برئ منهم، ولم تصله أي مساعدات ، وخدمات للتعليم والصحة وعودة النازحين لقراهم واعمار مناطقهم ، وتعويضهم ، وعودة المستوطنين لمناطقهم ، وجمع السلاح وحل المليشيات ، واستقرار الأمن ووقف العنف والاغتصاب . الخ.
4 . ويجري حاليا كما جاء في الأنباء العمل علي الاسراع بالتسوية ، كما في لقاء الرئيس المصري والسعودي الذين رفضا وجود قاعدة عسكرية علي البحر الأحمر تهدد أمن مصر والسعودية ، وسفر البرهان مع وفد الي الأمارات ، وسفر وفد من الحركات وقوي “الهبوط الناعم الأخري”، بحضور مناديب من : مصر ، السعودية تشاد ، النرويج ، الخ كما رشح في الأنباء ، بهدف اخراج “الطبخة” للتسوية ، والتي لا تخرج عما طرحه “فولكر”، وود لبات” في مؤتمرهما الصحفي الخميس 10 مارس كما في : تعيين رئيس وزراء” حمدوك أو غيره”، حكم مدني ديمقراطي ، الدعوة للشرعية الدستورية وقف الانقلاب العسكري ، وقف العنف ، وقمع المظاهرات ، والغاء حالة الطوارئ ، وقف العنف في دارفور ، حديث عام وغير محدد عن محاسبة مرتكبي جرائم ما بعد الانقلاب ، بهدف طمسها ، كما حدث في جريمة فض الاعتصام التي تباطأت في عملها حتى اطلق عليها الانقلاب رصاصة الرحمة بالهجوم علي مقرها كما أعلن الأستاذ نبيل أديب.
5 . وأخيرا ، لا يصلح العطار ما افسده الدهر ، فكل هذه القوي الخارجية والمحلية المشتركة في التسوية ، تحاول وقف المد الثوري الهادف لقيام حكم مدني ديمقراطي ، يكرس حكم القانون ، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات ، والسيادة الوطنية بالابتعاد عن المحاور العسكرية ، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ، ووقف الخضوع لشروط الصندوق والبنك الدوليين التي افقرت شعبنا ، حل كل المليشيات “دعم سريع، كتائب الكيزان ، جيوش الحركات المسلحة” وقيام الجيش القومي المهني الموحد ، وعودة العسكر للثكنات بدلا من الشراكة معه لخدمة الأجندة الخارجية ، وضم كل شركات الجيش والأمن والدعم السريع لولاية وزارة المالية ، وتفكيك التمكين واستعادة كل الأموال المنهوبة ، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية ، وتكوين لجان تحقيق دولية في مجزرة فض الاعتصام وجرائم ما بعد 25 أكتوبر ، ووقف قيام القاعدة العسكرية لروسيا ولآمريكا علي البحر الأحمر ، ووقف ارسال القوات الي اليمن ، واستعادة الأراضي السودانية المحتلة ” حلايب ، شلاتين ، ابورماد، نتؤ حلفا ، الفشقة . الخ”، واعادة النظر في كل اتفاقات الأراضي التي تصل عقودها الي (25 – 99 عاما) ، كذلك اتفاقات التعدين، ووقف نهب ثرواتنا من ذهب وثروة حيوانية ، ومحاصيل نقدية. الخ” ، وقيام بورصات الذهب والصمغ ، ومؤسسات الماشية والقطن ، والزيوت. الخ ، والعمل بقانون بنك السودان للعام 1959 ، وغير ذلك مما طرحته المواثيق الثورية المقدمة من الأحزاب ولجان المقاومة الثورية ، الخ ، للحل الجذري ، بديلا للتسويات التي إعادت إنتاج الأزمة ، وتهدد بتمزيق وحدة البلاد ، وتجعلها خاضعة للاملاءات الخارجية ، فهل يمكن لمن كان سببا في الأزمة أن يحلها؟! .