يا قلبي المكتول كمد
كتب: جعفر عباس
.
هكذا هتفت عندما سمعت بأمر الناقة التي اشتراها السيد حمدان غ. م. في دولة الأمارات بعشرة ملايين درهم (نحو 3 ملايين دولار فقط.. يا بلاش). واشترى معها ناقة أخرى تعبانة وجربانة بخمسة ملايين فقط. الله يسامحك يا أخ حمدان. في أزهى عصور تجارة الرقيق الأبيض والأسود لم يتم بيع إنسان بمثل لك المبلغ.
وأنا ثلاثين ونيف سنة ثانوية عامة في منطقة الخليج ولم يمر علي يوم واحد خلال العشرين سنة الأولى منها لم أؤد فيه وظيفة إضافية، في تحدٍ سافر لقوانين العمل التي تمنع الجمع بين وظيفتين. أذكر أن زوجتي قالت ذات يوم بصوت يحنن قلب نتنياهو: نفسي أتناول وجبة في تربيزة السفرة الجديدة!! كان ذلك لأنني جعلت من تلك التربيزة مكتبا أفرش عليه أوراقي وقواميسي، وآلة كاتبة سكند هاند، من منطلق أنني أولى بالنقود التي سيطالب بها من يتولى الطباعة، وهكذا تعلمت الطباعة وصرت اطبع النص المترجم دون الحاجة الى مسودة بالقلم. مثلا عملت ثلاث سنوات متواصلة لحساب شركة الاتصالات في الأمارات في وقتي الخاص بموجب عقد لتعريب كل معاملاتها ومستنداتها. كانت بنتي عبير شديدة التعلق بي ولا تجد وسيلة للفت انتباهي سوى الصعود الى الطاولة والنوم عليها فأحس بالذنب وأوقظها وألاعبها قليلا حتى تنام وهي باسمة.. وكان ذلك نظير نحو 60 الف درهم بواقع عشرين الف عن السنة الواحدة. (امتلكت بهذا المبلغ بيتا في مربع 18 في الحاج يوسف)؛ تقوم انت يا حمدان تعطي ناقة عشرة ملايين ولا يهمك ان تجرح مشاعري.
بلا صحافة بلا مقالات بلا دوام بلا لفت نظر بلا كفيل بلا بطيخ. من باكر “أهاجر وأغترب” في السودان وأعمل في تجارة الجمال. فمنذ آلاف السنين والنوق السودانية مشهود لها بالكفاءة والرشاقة في الجزيرة العربية. والشاهد قصيدة المتنبي: وكل نجاة بجاوية / خنوفٌ وما بي حسن المِشى!! والبجاوية صنف من النوق تربيه قبيلة البجا العتيدة في شرق السودان، والنجاة هي الناقة فائقة السرعة.
الناقة أم 10 ملايين قلبت عليّ المواجع. وأتذكر أنني كتبت مناحة عندما اشترى كويتي حمامة ب16 ألف دولار. حتى لو كان ذلك الطائر هو حمامة السلام التي ستعيد إلينا فلسطين فإن 16 ألف دولار كثيرة عليها. وأتذكر التيس السوري الذي اشتراه سعودي في معرض للماعز في الرياض بمليون ريال. تيس بمليون؟ هل يقوم قرناه مقام الدش الذي يلتقط كل القنوات الفضائية المشفرة؟ هل ينتج حليبا منزوع الدسم؟ ومن أين لك بمعزة في مقام تيس رفيع القوام والقيمة؟ هب أنك وجدت المعزة التي “تستأهله”: هل ستنجب عتودا يشبه نانسي عجرم او حتى شعبان عبد الرحيم؟ وبكل بجاحة أقول لجهة عملي: اعتبروا أبو الجعافر “حاشي” وهي بيبي الناقة واعطوه واحد على عشرة من قيمة الناقة التي اشتراها السيد حمدان وبعدها لو رأيتم “خلقتي” ضعوني في زنزانة وارغموني على سماع خطب حميدتي والبرهان. وهذا أقسى نوع من التعذيب الذي لا أتمناه لعدو او حبيب.