غرفة التدخين..

0 79
كتب: عثمان ميرغني
.
في بعض المطارات الدولية، إذا أراد المدخن اشعال سيجارة سيحتاج البحث عن المكان المخصص للمدخنين، وغالبا بعد جهد سيجد لافتة تشير إلى غرفة منعزلة بعيدة في ركن صالة الركاب، لا يستطيع أن يمارس نفث الدخان في الهواء إلا بداخلها فقط.. نحن في حاجة ماسة لاستخدام هذا النظام في فضاء العمل العام في بلادنا..
إذا أراد السياسي ممارسة أي عمل أو نشاط سياسي عليه أن يبحث عن المكان المخصص لذلك، ويلتزم بالبقاء فيه طالما هو يمارس العمل السياسي، وعندما تنتهي لحظات نفث الدخان في الهواء عليه العودة إلى الفضاء العام، كما يعود المدخن إلى الصالة العادية بعد اطفاء السيجارة.
السبب الرئيسي وراء الفشل المستمر في الدولة السودانية أن الساسة يمارسون السياسة في كل مكان، ويحكمون على الشعب السوداني أن يربط مصيره بالسياسة والساسة، على الشعب السوداني أن يقرأ كل كتب الايدلوجيات في العالم، لأنه محكوم باحزاب سودانية لكنها منتشرة على نطاق الفضاء الايدولوجي العالمي من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار.. وعلى الشعب السوداني أن يدرك أنه عندما يحلم بتوفير سبل الحياة الكريمة من بيت آمن وعمل وتعليم وصحة ومواصلات، فإنه محكوم بحدود عقلية السياسي الذي يحكمه -هذا ان كان محظوظا ولا يقع تحت طائلة حكم عسكري صريح- فالواقع السوداني محكوم من قمة شعره إلى قدميه بالحدود المتاحة لتفكير وقدرات السياسي في انتاج الحلول والعمل على تنفيذها.
ومثل هذا الوضع مهما تغير النظم السياسية فإنه يحافظ على استدامة العقلية التي تنتج الفشل.. ولا سبيل لاستثمار موارد السودان لرفاهية شعبه الا باتباع نظرية “غرفة المدخنين”..
على الساسة أن يلتزموا بحدود القصر الجمهوري أو حيثما كان مقرهم.. يستمتعوا بالسيادة ولكن بعيدا عن ادارة الشأن العام في الوطن.. ولحسن الحظ أن غردون باشا -رحمه الله- شيد لهم القصر الجمهوري في أجمل بقعة على شاطيء النيل الأزرق تصلح للتأمل واستدار الالهام والخيال لكتابة القصائد الجميلة.. لكم دينكم وللشعب دينه.. يتمتع الساسة باطلالة القصر على النيل والسجادة الحمراء وجاه المناصب لكن بشرط ان لا يتدخلوا اطلاقا في ادارة الدولة.. فلبيت رب يحميه.. وللوطن شعب يديره..
هذا الأمر لا يحتاج إلى أكثر من تشريعات تنهض فوق منصة مفاهيم جديدة لكيان الدولة السودانية.. تفكير خارج الصندوق ينتج هيكلة جديدة لبناء دولة السودان الحديثة.. التي تفصل بين السياسة والادارة.. ما للقصر للقصر. وما للشعب للشعب..
بغير هذا .. سيأتي يوم القيامة وفي عنق الشعب السوداني ثورة منتظرة لاقتلاع آخر نظام قبل النفخ في الصور..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.