تجارة محاربة الألم
كتب: جعفر عباس
.
لا تكاد حقيبة يد نسائية تخلو من صنف أو أكثر من أقراص تسكين الألم، ذلك ان النساء أكثر اهتماما من الرجال بأمور الصحة، ولأنهن يعانين شهريا من آلام ثابتة ومتكررة تلازمهن لقرابة الأسبوع، وتكمن خطورة العقاقير المسكنة للألم في كونها تباع حتى خارج الصيدليات وما من بيت يخلو من كوكتيل من تلك العقاقير. في عام 2017 استهلك البريطانيون مسكنات بمليار و800 مليون دولار، وخلال عام 2018 بلغت أرباح (وليس إيرادات) ثلاث من شركات الأدوية من مبيعات مسكنات الألم ملياري دولار. هذا في حد ذاته دليل على عدم جدوى تلك المسكنات، فمهما تناولت منها فإن حاجتك اليها لا تنتهي او تزول، ولا يعرف أحد عقارا معينا ناجعا يزيل الألم ويغني من يتعاطاه عن تناول المزيد منه او من غيره (ما عدا بالطبع تلك التي يقدمها الطبيب للمريض لفترة محددة في حالات استثنائية).
اعتبارا من يونيو 2021 منعت استراليا بيع المسكنات التي تحوي مادة الكودايين بدون وصفة من طبيب، وفي عددها لشهر يوليو الماضي نشرت مجلة استراليا الطبية نتائج بحث قام به أطباء مستشفى أنغليس في ملبورن جاء فيه أن من يتعاطون عقار نوروفين بلاس (به كودايين) يعانون من تقرحات وثقوب في المعدة. في بريطانيا طالب الدكتور سايمون نلسون من مستشفى مانشستر بتقييد توصيف وبيع المسكنات الحاوية للكودايين بعد أن سببت فشلا كلويا لعدد من المرضى تناولوا كميات كبيرة منها، وعموما فإن أخطر ما في أمر المسكنات أن الناس تصدق شهادات بعضهم البعض عنها: يا زول لقيت دوا اسمه “تكترك” يخليك تغني زي علي كبك وتاخد منه حبتين بعدها ما تحس براسك حتى لو ضربوه بفاس.
لست من النوع الذي يهرع الى تناول المسكنات كلما داهمه الألم، ولكن إذا عانيت من ألم اعتبرته شديدا – في الأسنان أو الأذن مثلا – بحيث أعجز عن النوم، أو القيام بأي نشاط فإنني لا أتردد في تناول كوكتيل من المسكنات واللي بدو يصير يصير (وهذا تصرف أحمق وأخرق) وبالمقابل فإنني أحس بألم في ظهري على مدار الساعة ولكنني “مش سائل فيه”.. خليه يوجعني ونشوف من فينا يتعب.. السر في هذا الموقف البطولي الحازم تجاه ألم الظهر الذي لا يسكت هو إدراكي أنه لن يسكت حتى لو سبحت في بحيرة من البنج والمورفين. بمعنى ان المسكنات لا تجدي معه لأنه ألم مقيم ناتج عن خلل في “رَصَّة” فقرات ظهري اكتشفته منذ أكثر من 30 عاما، (لما كان عمري 9 سنوات؟؟؟) وصرت فقط حريصا على منع تفاقمه بممارسة بعض أشكال مط الظهر وتفادي الانحناء الخاطئ وعدم رفع الأثقال، (منذ وصول الحفيدين طارق وزياد وظهري مكهرب بسبب ممارسة المصارعة بنظام UFC)
عندي بنت اعتبرها نموذجا في الصبر والتحمل مصابة بالصداع النصفي (الشقيقة) وتجدها كثيرا تتعامل مع الدنيا بنصف عين. فالضوء يضايقها والأصوات العالية تضايقها ولديها تشكيلة من العقاقير للشقيقة ولكنها كثيرا ما ترفض تناولها بمنطق أن هذا النوع من الصداع إذا داهمك بقوة فلا جدوى من أي نوع من المسكنات، وأصبحت بالخبرة تعرف أن هناك عقارا معينا ينفع في منع استفحال الصداع إذا تناولته مع ظهور أعراضه الأولى. ولكن زوجتي وبنتي الثانية تتعاملان مع البندول كنوع من المكسرات. أحيانا أقوم بإخفاء كل المسكنات الموجودة في البيت ولكنني اكتشفت ان حقائبهن كما حقائب 88% من النساء لا تخلو من البندول وأبناء عمه. خوفي عليهما مرده أنني أعرف ان الانسان قد يدمن او يعتاد على عقاقير تباع بدون وصفات، مثل المسكنات، وهناك مقولة طبية خائبة تقول بالإنجليزية عند الحديث عن دواء بلا آثار جانبية بأنه as safe as Panadol”، (مأمون مثل البندول).. بينما يقول الصيادلة والأطباء أنه حتى الأدوية العشبية لا تخلو من مضار فما بالك بتلك المصنعة كيميائيا؟
(هل عندك لي مسكن غير البنقو والعرقي والكبتاجون لعلاج ألم رؤية أو الاستماع للفريق بوكو حميدتي وبرهون غردون والتوم مهجوم ومبارك مرذول ؟)