تعليقات وإضافات على (ميثاق تأسيس سلطة الشعب (2)
هياكل الحكم ودور لجان المقاومة و(التشريعي) و(الجنائية الدولية)
كتب: ماهر أبوجوخ
.
تناولنا في الحلقة السابقة وفي معرض التعليق على مقترح (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) الذي أعلنته لجان مقاومة ولاية الخرطوم بالتركيز على ضبط مفهوم الدولة بالإضافة إلي إجراءات إسقاط إنقلاب 25 أكتوبر ونواصل في هذه الحلقة التعليق والإضافات المقترحة على بقية البنود والتي ستشمل في هذه الحلقة القضايا المرتبطة بـ(تشكيل مؤسسات الحكم الإنتقالي) ودور لجان المقاومة والقضايا المرتبطة بتكوين المجلس التشريعي وكيفية تحقيق العدالة.
نلاحظ أن البندين الواردين في مشروع الميثاق (ثانياً: السلطة الإنتقالية) و(ثالثاً:قضايا الحكم في الفترة الإنتقالية) ركزا على شكل مؤسسات الحكم ومبانيها دون تطرق لمعاني وأهداف المرحلة الانتقالية مما يستوجب إفراد بند خاص مخصص لتحديد أهداف المرحلة الانتقالية في الميثاق مع إمكانية دمج الفقرة الخاصة بمدة المرحلة الإنتقالية فيها وتنظيم الانتخابات العامة التي يشترط لها استيفاء شروطها من تحقيق السلام وعودة اللاجئين لمناطقهم وإجراء التعداد السكاني، ومن دونها لا يمكن تنظيم انتخابات عامة حرة ونزيهة.
في هذا السياق يمكن تطوير النص الموجود في الوثيقة الدستورية لسنة 2019م الذي تناول أهداف المرحلة الانتقالية بالإضافة والحذف باعتباره يحدد ويفصل القضايا والأهداف المتصلة بالمرحلة الإنتقالية، ووجود هذا النص في صلب الدستور بخلاف تحديده الواضح والمباشر للأهداف المراد تحقيقها خلال المرحلة الإنتقالية يترتب عليه إلزام كل أجهزة الدولة والأطراف الفاعلة على إلمام تام بطبيعة تلك المهام وتوصيفها وبالتالي الالتزام بتنفيذها وإستصحابها في كل خطط وسياسات وقوانين المرحلة الإنتقالية.
إعداد الدستور
أشارت الفقرة (1) من البند ثانياً إلى (بناء دستور انتقالي) وأعتقد أن الأصوب هو (صياغة دستور انتقالي) فالبناء أمر مرتبط بالهياكل أم النصوص فيتم صياغتها، ونجد أن الفقرة (2-1) أشارت لإجازة المجلس التشريعي للدستور الانتقالي وبالعودة للفقرة السابقة بالميثاق التي أشارت لإلغاء الوثيقة الدستورية برمتها فإن السؤال المطروح يرتبط بالدستور أو الأوامر الدستورية أو القانونية التي ستسود ما بين فترتي الإلغاء والإجازة والجهة التي ستقوم بهاتين المهمتين والمدة الزمنية لإنجاز هذه المهام، ويجب عدم السماح بوجود فراغ دستوري يمكن أن يترتب عليها إعاقة للمرحلة الإنتقالية، ولذلك يبدو الخيار الأقرب هو (تعديل الوثيقة الدستورية بحيث تتوافق مع الواقع الجديد لحين اعتماد دستور انتقالي جديد من قبل المجلس التشريعي الانتقالي).
دور لجان المقاومة
النقطة الأهم هي المرتبطة بتشكيل هياكل الحكم تحت إشراف ورقابة لجان المقاومة وقوى الثورة الحية دون تحديد لها إلا أن الفقرة المرتبطة بتسمية وترشيح رئيس الوزراء أشارت لتوافق القوى الموقعة على الميثاق.
رغم محاولة النص اقتصار دور لجان المقاومة في الإشراف والرقابة ثم توافقها مع قوى الميثاق في إختيار رئيس الوزراء وتكوين المجلس التشريعي القومي والمجالس الولائية والمحلية فإن النتيجة الفعلية هو أن لجان المقاومة ستمارس الحكم فعلياً وستتحمل تبعاته وعواقبه من نجاح وفشل.الشق الثاني متصل بنتائج هذا الإجراء فهو يبعد القوى غير الموقعة على الميثاق أو المختلفة معه وسينتج عنه تضيق المشاركة في مؤسسات الحكم والذي سيكون لديه تأثير سلبي على أداء وفعالية وحيوية أجهزة الإنتقال.
النقطة الثانية مرتبطة بالترتيب فالصحيح النص على تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي والذي يقوم بدوره بتعيين رئيس الوزراء والحكومة ثم المجالس الولائية والمحلية، إلا أن هناك جوانب أخرى مرتبطة بهذا التصور أولها أن تكريس كل السلطات السيادية والتنفيذية في يد رئيس الوزراء هو أمر يقود مستقبلاً للتصادم لأن هذه الوضعية تكرس كل السلطات في يد شخص واحد وبالتالي فإن النتيجة المتوقعة لها أن تساهم وتساعد في إنتاج ديكتاتور جراء تمركز كل السلطات عنده، وثانيهما أغفل الإشارة لمسألة عدم الإنتماء الحزبي لمرشحي الحكومة وثالثهما طبيعة عملها خلال هذه الفترة.
بالإمكان الإستفادة من التجربة الدستورية والعملية لتشكيل مؤسسات الحكم إبان الأنظمة الديمقراطية بالسودان بحيث يتم تشكيل مجلس للسيادة من قبل المجلس التشريعي بعدد محدود لا يتجاوز الأعضاء الستة مع تمثيل النساء ضمن عضويته بصلاحيات ومهام محددة وتكون صلته ببقية مؤسسات الدولة وأنشطتها عبر رئيس الوزراء مع إمكانية تطوير هذه الصيغة بحيث يتولى مجلس السيادة تمثيل البلاد في المحافل الخارجية في حال الإتفاق على هذه الصيغة وأن يقتصر دور الحكومة التنفيذية في تصريف الشأن الداخلي.
معضلة تكوين (التشريعي)
أغفل المقترح معالجة القضية الأساسية المعرقلة لتكوين المجالس التشريعية منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية وحتى الإنقلاب والمتمثل في حجم التمثيل والتقسيم بين المكونات السياسية والإجتماعية عموماً ولجان المقاومة على وجه الخصوص في المجالس التشريعية ولم يعطي تفصيلاً لشكل مؤسسات الحكم التنفيذية والتشريعية في الولايات والمحليات، وصمت عن الجانب المتعلق بمستوى الحكم الإقليمي.
بالنسبة لدور ومشاركة لجان المقاومة في المؤسسات التشريعية القومية والولائية والمحلية فمن الأفضل الإشارة لمبادئ عامة بالإقرار بتمثيل النساء بحد أدنى في كل المؤسسات التشريعية بما لا يقل عن ربع عدد المقاعد أما الشق الثاني فهو تمثيل لجان المقاومة في المؤسسات التشريعية بنسبة معينة لا تحملها المسؤولية الكاملة لاختيار المؤسسات وأدائها ولكن يجعلها مؤثرة في الرقابة والاختيار وفي تقديري أن حجم التمثيل ذلك يمكن أن يتراوح ما بين ربع وثلث إجمالي مقاعد المؤسسة التشريعية.
تجنب تجربة برلمان (نيفاشا)
من مصلحة التجربة التشريعية الإنتقالية أن لا يحظي طرف أو طرفين بالأغلبية التي تمكنه أو تمكنهم من تمرير الإجراءات بمعزل عن الآخرين ويمكن في هذا السياق الإستدلال بالتجربة النيابية للبرلمان بعد إتفاق السلام الشامل (يناير 2005م) التي استحوذ فيها المؤتمر الوطني المحلول على الأغلبية الأمر الذي مكنه من تمرير القوانين حسب وجهة نظره وفي أحيان أخرى أبرم تفاهمات مع حليفه الحركة الشعبية لمقايضة القوانين، لذلك فإن التجربة النيابية الإنتقالية في كل المستويات تستوجب في تقديري عدة ضوابط أولها عدم تمتع طرف واحد بالأغلبية أو إمكانية حصوله على الأغلبية اللازمة بالاتفاق مع طرف ثان بمعزل عن الآخرين، أما الإجراء الثاني فهو اشتراط أغلبية إستثنائية بالثلثين للتعيين والإعفاء في الماصب أو الثلاث أربع في حال تعديل الإطار الدستوري (الوثيقة/ الدستور) الانتقالي من قبل المجالس التشريعية الإنتقالية.
تبقى الجزئية الأهم الإتفاق على دور لجان المقاومة من وجودها في المجالس التشريعية خلال المرحلة الإنتقالية كوسيلة لتعزيز الرقابة على المستويات التنفيذية وبالتالي فإنها لن تنخرط في أي مستوى تنفيذي خلال المرحلة الإنتقالية، أما إذا إختارت لجان المقاومة أن تمارس دوراً تنفيذياً خلال المرحلة الإنتقالية وتتولي تصريف أعباء الحكم فحينها من الأسلم لها أن تشترط حصولها على الأغلبية النيابية في كل المجالس التشريعية بحيث تكون قادرة على ممارسة الحكم. في تقديري فإن الإكتفاء بخيار الرقابة هو الأفضل سياسياً ومستقبلاً للجان المقاومة.
قضايا الحكم الإقليمي
الجزئية المتصلة بقضايا الحكم في الفترة الإنتقالية تضمنت ثلاث فقرات تناولت الفقرة (1) أشارت لتبني نظام حكم فدرالي أما الفقرة (2) فأشرت لأول مرة للحكم الإقليمي والمحلي دون إشارة للولائي.
من المهم النص على مستويات الحكم وتكوين مؤسساتها التشريعية والتنفيذية وصلاحيات كل مستوى من المستويات ومواقيت تشكيل تلك المؤسسات والجهة التي تقوم باعتمادها. بجانب ذلك فأعتقد أن الخيار الأمثل هو جعل (الإقليم) هو معيار قسمة السلطة والثروة مع إمكانية منح أوضاع خاصة لبعض المناطق المرتبطة بالحرب كجبال النوبة والنيل الأزرق بشكل مؤقت لسنوات أو دائم.
رغم إشارة الفقرتين (2) و(3) في البند (ثالثاً) لمسألة المشاركة الشعبية في وضع تصورات نظام الحكم ومشاركة المجتمعات المحلية في صنع القرارات والسياسات العامة بما يضمن ترسيخ قيم المشاركة والمساءلة والشفافية فإن الفقرتين أغفلت (الآليات) لتحقيق هذين الهدفين، وفي تقديري أن تحقيق الهدف الأول بالمشاركة في وضع تصورات نظام حكم يتم من خلال حوار مجتمعي شعبي يتصاعد حتى المستوى القومي وبالنسبة لتعزيز المشاركة في صنع القرارات ووضع السياسات العامة فيتم عن طريقين أولهما تحديد صلاحيات واختصاصات كل مستوى من المستويات وثانيهما من خلال الأجهزة الرسمية التشريعية والتنفيذية والشعبية المتمثلة في لجان الأحياء وجماعات الضغط القاعدية.
أقترح إعادة صياغة البند (3) من ذات الفقرة بما يؤدي لإيصال المعنى الجوهري المراد بشكل مباشر مع استصحاب الملاحظات التي سبق الإشارة إليها أعلاه.
سبل تحقيق العدالة
تطرقت الفقرة رابعاً من الميثاق لـ(العدالة والعدالة الإنتقالية) وفي تقديري أن هناك ربط أساسي لهذه الفقرة مع (سابعاً: المنظومة الحقوقية والعدلية) ويعزز البند (3) من ذات الفقرة هذا الترابط المباشر بإشارته لإرتباط عملية العدالة مع جوانب أخرى كتحقيق السلام وإصلاح السلطة القضائية والعدالة وإعادة هيكلتها وإصلاح وإعادة بناء القوات النظامية.
نص البند (2) على تكوين محاكم ونيابات متخصصة لمحاكمة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والإبادة المرتكبة خلال سنوات حكم النظام البائد وبعد 11 أبريل 2019م وفض الإعتصام وجرائم ما بعد إنقلاب 25 أكتوبر، إلا أن البند (4) شدد على الوصول لصيغة شعبية لمعالجة ملف العدالة الإنتقالية يشمل أسر الشهداء وضحايا الحروب الأهلية والانتهاكات طوال عهد النظام البائد (وما قبله وما بعد 11 أبريل 2019م وحتى اليوم).
بالنظر لهذا البند في هذه الفقرة –اي رابعاً الند (4)- نجده أحدث توسعاً كبيراً في الحقبة المشمولة كما أن (ما قبله) غير محددة بمدى زمني معين فهل تشمل حقبة الأنظمة العسكرية فقط أم كل أنظمة الحكم الوطني منذ الإستقلال أم تمتد لتشمل حقبة الاستعمار ودولة المهدية .. الخ ؟! أعتقد أن عبارة (ما قبله) هي مربكة وغير مفيدة أو مهمة ولذلك فالأفضل حذفها من النص.
أعتقد أن مفهوم العدالة الإنتقالية يختلف عن مفهوم العدالة فالأولى تنظر للتجاوزات ضمن خيارات رضائية تصالحية قد تقوم على الحقيقة والمصالحة وجبر الضرر والإعتذار للضحايا أما مفهوم (العدالة) في التجاوزات والانتهاكات فهو مفهوم مرتبط بالتعاطي القضائي تجاه التجاوزات ومعاقبة الجناة، وبناء على ذلك فأقترح الفصل بين مساري ونتائج (العدالة) و(العدالة الإنتقالية) فالأول إختصاص تطبقه مؤسسات القانون والمحاكم وينتهي بعقاب المتهمين بارتكاب تلك التجاوزات، أما الأولي -أي العدالة الإنتقالية- فإنها لا تقتصر على خيارات الإدانة والعقاب ولكنها تتضمن خيارات أخرى مستوحاة من تجارب أخرى كما حدث في جنوب أفريقيا ورواندا.
بالنسبة للصيغة المثلى لمعالجة ملف العدالة الانتقالية المنصوص عليها في البند (4) فأعتقد أن الجهات المذكورة والتي تتضمن أسر الشهداء وضحايا الحروب الأهلية والانتهاكات طوال عهد النظام البائد يمكن التعبير المباشر عنها من خلال مفوضية العدالة الانتقالية المنصوص على تكوينها في البند (5) بوصفها الإطار المناسب لتمثيل تلك الفئات وتحقيق ذلك الهدف، على أن تكون مهامها مرتبطة بشكل أساسي في كشف حقائق الانتهاكات والمسؤولين عنها والمصالحة بالاعتراف شريطة موافقة المتضررين وأصحاب الحق والإعتذار وإنصاف الضحايا بالتعويض وجبر الضرر في الجرائم المرتبطة بالدولة ومؤسساتها، وفي حال عدم موافقة أصحاب الحق يحق لهم إحالة الملف المرتبط بالتجاوز للقضاء على أن يعتبر اعتراف المجرم الطوعي بجرمه والمشاركين وكشف التفاصيل أحد أسباب تخفيف الحكم عليه.
التسليم والانضمام للجنائية الدولية
في البند (4) تمت الإشارة لإمكانية اللجوء إلى المؤسسات العدلية الدولية للتعامل مع قضايا الانتهاكات، إلا أن الملاحظة الأساسية أن الميثاق أغفل جزئية أساسية بالتشديد على إنضمام السودان للعدالة الدولية ممثلة في المحكمة الجنائية الدولية من ناحية، والتأكيد على تسليم كل المتهمين المطلوبين في الجرائم التي تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية ومثول كل المتهمين أمامها من ناحية أخرى بوصفه يعبر عن أحد أهداف الثورة الأساسية لتحقيق العدالة.
من الضروري إلزام الدولة بتخليد ذكرى ضحايا الإنتهاكات وعنف الدولة وأجهزتها بشكل سنوي وفي هذا الإطار أقترح أن يكون في يوم الثالث من يونيو من كل عام باعتبار أن يوم 29 رمضان غير ملائم لعوامل عديدة الذي يتوافق مع الذكرى السنوية لجريمة فض الإعتصامات في 3 يونيو 2019م.
(نواصل)