الفشل الناجح..The Successful Failure
كتب: عثمان ميرغني
.
في 11 إبريل 1970؛ مركبة الفضاء “أبولو 13” كانت تحمل ثلاثة من رواد الفضاء للهبوط في القمر، بعد نجاح هبوطين سابقين، وفي اللحظة التي وصلت فيها إلى مدار القمر وبدأت تستعد لإجراءات الهبوط انفجر خزان الأوكسجين مما أدى لإلغاء المهمة، لكن العودة إلى الأرض كانت شبه مستحيلة لشح الطاقة بالمركبة. وبعد مغامرة عنيدة لعدة أيام هبطت المركبة بسلام في المحيط الهادي، فأطلق على المهمة (الفشل الناجح) The Successful Failure.
وتشاء الصدف؛ في التاريخ ذاته، 11 إبريل 2019، مركبة الشعب السوداني الفضائية كانت على وشك الهبوط في كوكب “دولة السودان الحديثة” بعد الثورة التي أطاحت بأعتى نظام حكم دكتاتوري، لكن بكل أسف بعد ثلاث سنوات من الدوران السياسي فشلت المهمة، وفي 18 سبتمبر 2021 الماضي كتبت هنا أطالب باستعادة المركبة وإصلاحها استتعداداً للانطلاق مرة أخرى.. وقلت بالحرف يجب أن نتعامل مع الثورة بمنطق إنجاح الفشل The Successful Failure ..
ولكن كالعادة قليل من متخذي القرار من يقرأ، وأقل منهم من يقرأ ويفهم، وأقل كثيرا منهم من يقرأ ويفهم ليقرر وينفذ.
بعد حوالى شهر من مقالي وقعت الواقعة ، انقلاب 25 أكتوبر 2021..
الآن، ومع تدشين “سنة رابعة ثورة”، ألم يحن مراجعة الدروس وإصلاح “المركبة” للانطلاق بقوة نحو قمر أحلام السودانيين.
بالإمكان وبأقل جهد وأعجل وقت إصلاح مركبة السودان والانطلاق بقوة وسرعة لتحقيق “الحلم السوداني” بدولة حديثة توفر للإنسان الكرامة أولاً.
مهما كانت المعضلة الراهنة كبيرة في نظر البعض إلا أنها صغيرة لمن يملك البصيرة.. نحن نغرق في شبر ماء..
البداية بتغيير منهج التفكير في بناء الوطن.. نبدأ من تحديد الأهداف والغايات أولاً.. فالآمال العريضة لا اختلاف عليها.. والحديث عنها يقرّب الأنفاس ويزيل الغبائن المتبادلة.
لبناء مركبة الفضاء أول خطوة هي تحديد الهدف، إلى أين تمضي؟ إلى القمر أم المريخ أم مجرد دوران حول الأرض؟
ثم تحديد ماذا نريد من القمر؟ وبعد ذلك تعد تفاصيل الرحلة..
و ينطلق الصاروخ بمراحل، فبعد عدة كيلومترات ينفصل الجزء الأول ثم بعد فترة الجزء الثاني، و عندما يخرج من الغلاف الجوي ينفصل جزء آخر.. مراحل محددة بدقة كلها تساعد في الانطلاق نحو الهدف.
نحدد الهدف: بناء دولة حديثة يتمتع فيها الإنسان -أي إنسان حتى الأجنبي المقيم أو الزائر- بالكرامة.. وكلمة “الكرامة” لا يقصد بها حقوق الإنسان المنصوص عليها في الموثيق الدولية فحسب، بل حقوق الإنسان التي تحقق معنى (ولقد كرمنا بني آدم)..
هذه الدولة تُبنى على قيم : الحرية والعدالة . وتنهض على منصة مبادئ دولة القانون التي تجعل المواطن آمناً في نفسه وماله وأسرته.. بل وأحلامه..
هل يختلف إثنان في السودان على هذه الأهداف والقيم والمبادئ؟؟
بالطبع لا، حسناً قطعنا 90% من الطريق نحو التراضي الوطني ولم يتبق إلا أن نتفق كيف نختلف على الـ10% المتبقية.
الاتفاق على الغايات النبيلة يرفع الروح المعنوية للشعب كله، لأنه يرى في خيوط الشمس مستقبلاً مشرقاً بدلاً من دهاليز الماضي والحاضر الملتوية بالمحن والإحن.
كيف نصل الأهداف؟ كيف نحقق الغايات؟ كيف يصبح الحلم السوداني حقيقة؟
خارطة الطريق واضحة المعالم:
أولاً: الخطة الاستراتيجية: التي تفصل الأهداف وتمرحل الطريق إليها.
ثانياً: التشريعات التي تحقق دولة المؤسسات والقانون وتحفظ قوام الدولة الاعتباري.
ثالثاً: إعادة هيكلة الدولة بما يحقق سرعة الانطلاق والتخلص من كثير من عُقد الماضي وترهل جسم الدولة وخموله.
وبسم الله نبدأ.. مسيرة محسوبة بالأعمال والآجال.. برنامج عمل يشبه خطة بناء برج معماري عال..
توكلنا على الله.. نبدأ إنجاح الفشل The Successful Failure .