رمضان واللطائف
كتب: جعفر عباس
.
رمضان ضيف عابر خفيف الظل، والصوم رياضة ومثل كل أنواع الرياضة فإنه لا يخلو من مشقة، ولكن الناس يتقبلونها بروح حلوة، وفي رمضان يحلو الأنس الخالي من الهلس، وعلى مر القرون ظل صوم رمضان مصحوبا بوقائع وأحداث وأقوال لا تخلو من طرافة، وأذكر انه في سنوات صبانا كانت تنشط فينا جينات “الدناوة” في رمضان حيث الوجبات الكبيرة والمنوعة، وكان السحور على وجه الخصوص وجبة تقترن بالأطايب خاصة الرز باللبن والشعيرية (شعيرية نوبو تذكرني بشعيرية أهلنا في الشمال قبل ان تغزو اسواقنا المعجنات الإيطالية)، وكي لا يفوتنا السحور كنا نلعب في كثبان الرمل خارج البيوت لنحو الساعة 11 ليلا ثم نقرع “الصفيح” الفارغ إيذانا بحلول موعد السحور، مستغلين عدم وجود من يملك ساعة في الحي، ولأن أهلنا كانوا ينامون فور انتهاء صلاة العشاء فقد كانت حيلتنا تنطلي عليهم في أحيان كثيرة، وبذلك يتسنى لنا الاشتراك في تناول الأطايب مع الكبار، ثم انكشفت حيلتنا حينما انتبه بعض من قرر البقاء في حالة صحيان لأداء صلاة الصبح إلى أن “الخيط الأبيض” لا يظهر بعد السحور لمدة طويلة.
حكى لي صديق طفولة من بدين انه كان في نحو العاشرة من العمر وكانت إحدى قريباته المتزوجات تتبرع له بقراصة دسمة يوميا في نهار رمضان، وأنه زارها يوما في ذات رمضان وقال لها إنه قرر ان يصوم ما تبقى من أيام الشهر، فصاحت قريبته: سجم أيقا قرقيد أيقا (سجمي ورمادي)، واعترفت له بأنها كانت تستخدم إعداد الوجبات له ذريعة كي تخفي على الناس أنها لم تكن تصوم، وتعد قراصتين واحدة له والثانية لنفسها تأكلها سرا بعيدا عن صديقي ذاك، الذي قال إنه وعلى صغر سنه خاف من غضب الله عليه واعتبر نفسه مسؤولا عن إفطار قريبته تلك فصام بقية أيام الشهر، والمهم ان قريبته لم تفطر بعدها قط في رمضان الا بعذر شرعي.
ويحكي أحدهم أنه عاقب ولده الصبي لأمر ما خلال رمضان، وبعدها بساعات طلب منه أن يعد أدعية لتلاوتها بعد الإفطار، وبعد ان ابتلت العروق تلا الصبي الدعاء رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ؛ وصمت الصبي قليلا فقال له أبوه: تدعو لنفسك وأخيك فقط؟ فواصل الصبي: : رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ. حتى وصل إلى قوله تعالى “وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ”. فانفجر الجميع ضاحكين.