جهود لإحياء اللغة “الجئزية” بإثيوبيا التي تعود جذورها لما قبل الميلاد

0 129
كتب: أنور إبراهيم (كاتب إثيوبي)
.
تبذل إثيوبيا جهود حثيثة خلال السنوات الأخيرة ، سعيا منها لإحياء الثقافات والارث الإثيوبي المتنوع ، من خلال تشجيع وإعادة ترسيخ العديد من المؤسسات البحثية الكبيرة في البلاد ، للأستفادة من مختلف الكوادر الإثيوبية التي ظلت تعمل لفترات طويلة ، في مجال أحياء الثراث والثقافة الإثيوبية بصورة خاصة ، بعد أن كادت تندثر في الأونة الأخيرة بسبب تجاهل بعض تلك المؤسسات لمثل هذه القضايا الوطنية .
ويوجد في إثيوبيا نحو 83 لغة لمختلف القوميات والشعوب الإثيوبية ، وما يصل إلى 200 لهجة متباينة ، وعلي الرغم ذلك ظلت اللغة الجئزية منذ القدم إحدى أقدم اللغات بإثيوبيا حيث تعود اليها كل من اللغتين الامهرية والتقرنجة والأولى هي اللغة الرسمية للبلاد .
وكانت اللغة الجئزية تستخدم في إثيوبيا ، وتعتبر من اللغات القديمة ولها أقدم نقش في اللغة يعود إلى القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد ، ومازالت تمارس داخل الكنائس الإثيوبية، خاصة الارثوذوكسية منها ودون أغلب التاريخ الإثيوبي بها .
كما استخدمت كلغة رسمية مكتوبة خلال مملكة أكسوم الأولى ، وما زالت تستخدمها الكنيسة الأرثودكسية الإثيوبية حتى يومنا هذا.
أصول اللغة الجئزية
تعود اللغة الجئزية في أصلها لمجموعات اللغة السامية،التي تنتمي إلى أسرة اللغة العربية ، والسبئية القديمة ، وتكتب حروفها من اليسار إلى اليمين على عكس اللغة العربية ، وتمتلك حروف خاصة بها ، ولكن مع مرور الوقت بدأت تختفي وتحل محلها اللغات التي إشتقت منها مثل الأمهرية والتقرنجية .
وتعمل بعض الجامعات في إثيوبيا ، على تدريس اللغة الجئزية التي لاتعرفها الاجيال الجديدة ، فهي تتشابه في أحرفها والعديد من كلماتها مع اللغة العربية، وواجهت هذه اللغة إهمال لفترة طويلة ، و مع مرور الوقت عاد الباحثين والمثقفين الإثيوبيين للاهتمام بها مرة أخري .
وقبل سنوات مضت كانت جامعة مقلي بإقليم تجراي بشمال إثيوبيا ، قد استضافت المؤتمر الخامس لإحياء اللغة الجئزية، والذي يهدف للاستفادة من الكتب والمخطوطات ، التي كتبت منذ فترة طويلة ،عن الطب التقليدي الذي كان يستخدمها الأباء الإثيوبيين القدماء في تلك الفترة ، وأغلبها كانت قد دونت باللغة الجئزية ، لكي يتم الأستفادة من العلوم الإثيوبية القديمة التي كان لعلامائنا دورا كبيرا في عدد من المجالات .
كانت نصوص الجئز المعروفة أيضًا باسم اللغة الإثيوبية الأولي ، قيد الاستخدام بصورة مستمرة لأكثر من ألفي عام ، وترتبط ارتباطًا وثيقًا باللغة السبئية والعربية في أصلها .
يقول السيد ياريد أبيبي ، مسئول مكتب تعليم الانجيل بالكنيسة الأرثودكسية الإثيوبية ،أن لغة الجئز هي أقدم لغة كانت تستخدم في إثيوبيا ، وفي عصر البطريالاك أبونا سلامة تم تطوير هذه اللغة لتلائم طريقة التدريس بـ سبعة أصوات وحروفها 26 حرفا أصليا ،ومجموع الحروف 182 حرفا ولديها أربع أصوات ومجموعها 20 حرفا دخيلا ،وأجمالي عدد حروف اللغة الجئزية حاليا أصبحت 202 حرفا.
وبحسب بعض المصادر فإن اللغة الجئزية لها حروف أبجدية تم إحضارها إلى الحبشة ، من جنوب شبه الجزيرة العربية حوالي القرن السادس قبل الميلاد، واستخدمها الإثيوبيون المسيحيون في القرن الرابع الميلادي بصورة متطورة ، وكانت الكتابة بلغة الجئيز هي التي تستخدم بصورة شبه رسمية في الكنيسة ، وقد طور الإثيوبيين النص الجئزي بصورة كبيرة .
وحروفها هي عبارة عن حروف أبجدية يمثل فيها كل رمز مقطعًا لفظيًا مكونًا من حرف ساكن وحرف متحرك.
حكاية اللغة الجئزية مع إثيوبيا
يرجع بعض المؤرخين بداية اللغة الجزئية في إثيوبيا الى المهاجرون العرب الجنوبيون القدماء خلال هجرتهم إلى إثيوبيا ، حيث حملوا معهم لغتهم الخاصة القديمة وهي اللغة السبئية،و التي كان يتحدث بها سكان مملكة سبأ ، ويُعتقد أن ذلك كان في وقت مبكر من الألفية الأولى قبل الميلاد ، على الرغم من أن النسخة الإثيوبية من اللغة لم يبدأ استخدامها فعليًا حتى وقت مبكر من الألفية التالية، تم أخذ 24 رمزًا من نظام الكتابة السبئية ، ولم يتم نطق الجئزية فعليًا إلا بعد ذلك بكثير، عندما تمت كتابة أشكال حروف لغة الجئز من اليسار إلى اليمين ، ولم تكن هناك أيضًا حروف متحركة مستخدمة في أقرب شكل من أشكال الجئزية ، ولكن مع تغير الحراك في إثيوبيا تغيرت اللغة أيضًا عبر الزمان .
الجئز قد لا تكون اللغة الأكثر شيوعًا في العالم ، وربما لم يسمع بها العديد من المهتمين بعلم اللغة من قبل ، لكن هذه اللغة تعتبر هي اساس للغات إثيوبيا الرئيسية الثلاث ( الأمهرية والتجرنية ، ) وهي تشبه إلى حد ما اللغة اللاتينية بالنسبة للغرب.
وعلى الرغم من أن الجئيزية لم تعد لغة شائعة الاستخدام بحلول القرن الثالث عشر ، إلا أنها لا تزال تستخدم كلغة طقسية للكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، تم تكييفها لاحقًا لكتابة اللغات الإثيوبية الأخرى ، بما في ذلك الأمهرية والتجرنجية .
وتجمع الفنون الكنسية في إثيوبيا بين الكلمة والصورة لإنشاء كائنات قوية من الناحية الجمالية للشفاء والتفاني ، مثل المخطوطات المضيئة والأيقونات ومخطوطات الصلاة والترانيم، في الواقع فإن فعل كتابة الجئز لها بُعد صوفي بالنسبة للأثيوبيين المسيحيين ، حيث ينظر الكثيرين منهم إلى النص على أنه استحضار لأصول وألغاز الإيمان المسيحي ,
وألهمت اللغة الجئزية أيضًا العديد من الفنانين الإثيوبيين المعاصرين، التي طغت مؤلفاتها الإبداعية بين النص والصورة ،معتمدة علي الجئزة كلغة تاريخية تحمل العديد من المعاني والرموز.
تطور الجئزية عبر الزمان
عندما دخلت مملكة أكسوم في شمال إثيوبيا إلى المسيحية تغيرت لغة الجئزية، ويُعتقد أنه قد يكون بسبب الرغبة في تسهيل فهم نصوص الكتاب المقدس ، لأولئك الذين تعلموا القراءة للتو ،وحوالي القرن الرابع تم إدخال أحرف العلة إلى لغة الجئيز ، بحيث مكن من ترجمة الكتاب المقدس ، ثم تُرجم إنجيل الجئز إلى اليونانية ، ويُعتقد أن بعض التأثيرات من الأبجدية اليونانية القديمة يمكن رؤيتها في تنظيم حروف الجئز.
اختفاء اللغة الجئزية
ويرجع بعض الباحثين إختفاء الجئزية كلغة منطوقة بدأ في حوالي القرن العاشر الميلادي عندما بدأ استخدام ثلاث لغات سامية رئيسية في إثيوبيا، الأولى هي الأمهرية اللغة الأكثر شيوعًا في البلاد وتعتبر اللغة الرسمية للدولة منذ قرون ، هناك أيضًا التجرنجة والتي يتم التحدث بها في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من إثيوبيا ، والتجرنجة التي يتم التحدث بها في إريتريا أيضا، ومع ذلك كلغة مكتوبة كانت الجئزية هي النسخة الوحيدة المستخدمة رسميًا في إثيوبيا حتى نهاية القرن العشرين تقريبًا، في الوقت الحاضر تستخدم اللغة الجئزية فقط كلغة للكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية.
وبحسب ياريد ابيي ،بعد القرن الـ13بدأ دور اللغة الجئزية يتلاشي تدريجيا وكما اختفي المتحدثين بها أيضا ،وباتت اللغة تلعب دورها المنوط بها في الكنيسة الأرثوذوكسية أوفي خدمة الدين فقط في إثيوبيا.
أحياء اللغة الجئزية
وبدأت في إثيوبيا مؤخرا تحركات كبيرة في مختلف أنحاء البلاد لأحياء اللغة الجئزية القديمة ، واعادة تدرسيها في عدد من الجامعات مثل جامعة مغلي وبحردار في شمال إثيوبيا .
وأشار ياريد أبيبي، مسئول مكتب تعليم الانجيل بالكنيسة الأرثودكسية الإثيوبية، إلى أن بعض علماء الدين يقولون بأن لغة الجئز هي لغة آدم ، وحاليا هناك محاولات لإحياء دور هذه اللغة في إثيوبيا ،حيث بدأت الجامعات تدرس هذه اللغة على مستوى البكالوريوس والماجستير ، مثل جامعة بحردار وجامعة ولديا وجامعة أديس أبابا.
واكد اببي ،ان فوائد تعليم هذه اللغة وإحيائها يتمحور في معرفة التاريخ الإثيوبي والعلوم الأخري ،مثل علم الفلك والرياضيات والطب البديل والجغرافية والعلوم الاجتماعية والاقتصادية بجانب العلوم الدينية الأخرى.
ودعا أبيبي الحكومة الإثيوبية والجهات المعنية الأخرى للأعتناء بهذه اللغة واعداد منهج تعليم متكامل لها ،وذلك من أجل تدريسها في المدارس الابتدائية على مستوى البلاد .
وحاليا تجري العديد من البحوث والدراسات للأهتمام بتلك اللغة التي ظلت مهملة لفترة طويلة ،وظلت حبيسة داخل اروقة الكنيسة الأرثوذوكسية الإثيوبية ، وانحصر استخدمها للأغراض الدينية فقط ،علي الرغم من أن اهم مراحل التاريخ الإثيوبي دون بهذه اللغة ،وماتزال المصادر متوفرة كمراجع بلغة الجئز لأهم مراحل التاريخ الإثيوبي في البلاد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.