حفظ بلا فهم جعل منا “بجم”

0 40

كتب: جعفر عباس

.

أعود بالذاكرة الى المرحلة التي بدأت فيها تعلم الأمور الدينية ولا أذكر ان مدرس الدين قدم أمامنا “بيان بالعمل” حول كيفية الوضوء، بل كنا فقط مطالبين بحفظ فرائض وسنن الوضوء عن ظهر قلب ونحن لا نعرف مثلا ما المقصود ب”الفور والدلك”، و”مسح صماخ الأذنين”، وغسل اليدين الى الرسغين!! وسألت أشخاصا تجاوزوا الأربعين هل يعرفون معنى كلمة “الكعبة”، فأجاب اكثر من 90% منهم بلا، وسبب طرحي لذلك السؤال هو ان وصف بيت الله بالكعبة لطفل سوداني أمر محير لأن الكلمة تعني “سيئة” في العامية السودانية، وأذكر أنني ظللت في المرحلة الابتدائية احسب ان مدرس الدين كافر لأنه كان يسمي بيت الله ب”الحرام” ولم يكلف نفسه قط ان يشرح لنا المقصود ب”حرمة” بيت الله.
كانوا يلقنوننا أمور ديننا كالببغاوات فقط كي ننجح في الامتحانات، و، والله لم أفهم بعض نواقض الوضوء إلا بعد دراستها بسنوات: ما المقصود ب”ما يخرج من السبيلين”، ما هما السبيلان؟ النوم الثقيل، ولم يشرحوا لنا متى يكون النوم كذلك ثم هاك: الشك في الحدث (أي حدث ولم يكلف مدرس نفسه ليقول لنا ان المقصود هو الضراط او الفساء)
ثم وأعمارنا نحو 10-11 سنة درسونا شيئا اسمه الجنابة/ الغسل، وكنا نعرف انه يكون حسب المقرر المدرسي: غسل الأعالي قبل الأسافل والميامن قبل المياسر!! مفردات لم نسمع بها وبالتالي لم نفهم معانيها، ثم درسونا زكاة الإبل وكنا نعرف ببغاويا متى تكون الزكاة ببنت لبون ومتى تكون بجدعة، بينما لم نكن نعرف في شمال السودان ما هي الإبل ولم ير معظمنا طوال حياته ناقة او بعيرا.
ولأن تعليم الدين كان يقوم على التلقين والحفظ فقد كانت حصص الدين ثقيلة على النفوس بسبب الجلد المتكرر لمن لا يحفظون النصوص المقررة، وأذكر يوم كان “شيخ محمد اختيار” يطالبنا بتسميع سورة الحاقة وهو مسلح بجريدة نخل طولها ثلاثة أمتار، وجاء الدور على ع. ع. وكما في الخلاوي أعطاه المدرس أول الآية: خذوه فغلوه… وبدا صاحبنا: خذوه فغلوه ثم الجحيم .. ثم في سلسلة ذرعها .. ثم في سلسلة ذرعها (طاخ نزلت الجريدة على كتفه) ثم في سلسلة ذرعها.. (طاخ) وفجأة صاح الصبي المسكين: ثم في سلسلة ذرعها تقريبا خمسون ذراعا.. وكانت تلك أول وآخر مرة نرى فيها شيخ اختيار يضحك، والتصق لقب “تقريبا” بصاحبنا حتى هجر الدراسة وطفش من المنطقة.
وحتى على مستوى المدرسين تعالوا ندخل حجرة دراسة مع أحد الموجهين الذي كان يرصد أداء معلمة التربية الدينية، وبدأت تقرأ على الصغار سورة “الكافرون” بصوت عال، ثم توقفت فجأة وقالت إن هناك خطأ مطبعياً تجلى في تكرار الآية “ولا أنتم عابدون ما أعبد”، وبكل “ثقة” طلبت من التلاميذ شطب الآية قبل الأخيرة في السورة، وبالتأكيد لم تقرأ تلك المعلمة ” سورة الرحمن” وإلا لكتبت مقالا في الصحف تقول فيه أنها اكتشفت أن آية “فبأي آلاء ربكما تكذبان”، تكررت عدة مرات نتيجة خطأ مطبعي! وذكرت إحدى الموجهات إنها دخلت حجرة دراسة، ووجدت مدرسة مسلمة تتكلم في حصة التربية الدينية عن المهاجرين والأنصار، وتقول إن الأنصار هم ” نصارى” يثرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.