هل إلى هذا الحد بلغ خوفكم من طوفان 30 يونيو؟

0 48

كتب: فضيلي جمّاع

.

قرأت في بعض مواقع التواصل الاجتماعي أمس خبراً مصحوباً بتصريح رسمي لوالي الخرطوم، يقول: (الكباري ستغلق إغلاقاً كاملاً دون استثناءات يومي 29 و30 يونيو 2022م).
ربما لم يعبأ ملايين السودانيين بالخبر ، إذ لا جديد فيه. فإغلاق الجسور بالحاويات الضخمة من لدن عصبة العسكر الحاليين ليس أمراً جديداً. لكنّ سؤالاً وجودياً يفرض نفسه: لماذا لم يتعلم هؤلاء العسكر ومن يقفون في معسكرهم من حصص التاريخ؟

ثلاث سنوات ونصف السنة قد مضين على الإنفجار الكبير للثورة السودانية في عطبرة يوم 19 ديسمبر 2018. من يومها وهدير الشارع يصم الأذن. من يومها ودائرة الثورة مثل موج البحر تكبر وتتسع. ثلاث سنوات ونصف السنة والشارع يأتي بأكثر من استراتيجية وصنعة في تكنيك المد الثوري. لم يجرّب العسكر وحلفاؤهم من أحابيل وخطط لإسكات صوت الثورة غير محاولاتهم اليائسة بدءاً بأم الجرائم – مجزرة القيادة العامة – لإيقاف مد الثورة وهي في بداياتها. ثم سعيهم لتصفية الشباب بعد أن وقف الشارع على قدميه في 30 يونيو – ذلك المنعطف الخطير في إصرار شعبنا التمسك بشعاراته التي رفعها: حرية ، سلام وعدالة. حاول العسكر ومن داروا في فلكهم عرقلة سير الثورة بكل الوسائل الدنيئة: تعطيل كل ما من شأنه أن يمنح حكومة الفترة الإنتقالية شارة نجاح. تصور أن تدّعي أنك جزء من فريق، لكنك تسعى لإفشال مساعيه!

يفعلون ذلك لأنه ليس في أفقهم شيء إسمه الوطن أو الشعب. كل ما يهمهم حراسة وتأمين ملايينهم التي سرقوها من عرق شعبنا وكدحه لثلاثين سنة. قيادة العسكر الحالية في السودان لا علاقة لها بالجندية وشرفها. أنظروا إلى أعلى رتبة في الجيش. لا يحرك البرهان ساكناً إن لم يكسب رضا مليشيا الجنجويد. هذه عصبة تحاول اختطاف بلدٍ بأكمله.

وحين أعجزتهم الحيلة قاموا بالإنقلاب على سلطة يدعون بأنهم جزء منها. مضت ثمانية أشهر تقريباً منذ إنقلاب 25 أكتوبر البائس، الذي عليهم بالساحق والماحق كما يقول مثلنا الشعبي السوداني.

ليتهم يعوا أنّ ثورات الشعوب جزء من ديناميات التاريخ. أو يعوا أنّ التاريخ هو إحدى أدوات رب هذا الكون في تغيير سنن ومجريات الحياة. فالتاريخ نهر وجهته المصب. ومن الإستحالة أن تدور مياهه إلى الوراء.

مرّت على العالم ثلاث ثورات شعبية سلمية في القرنين الأخيرين. أنجزت إثنتان أهدافهما عبر السلمية. أولى الثورات الثلاث: ثورة شعوب شبه القارة الهندية بقيادة المهاتما غاندي والتي أنتصرت على أكبر امبراطورية في التاريخ الحديث (بريطانيا العظمى) – لتنال الهند استقلالها في العام 1947م.

والثانية: ثورة السود في أميريكا للإنعتاق من استعباد البيض ونيل حقوقهم المدنية مثلهم مثل بقية السكان. عرفت تلك الثورة بحركة الحقوق المدنية. وقد تأثر قائدها القس الشاب مارتن لوثر كينغ جونيور بثورة المهاتما غاندي في الهند من حيث المسعى السلمي في التظاهرات.

سبع سنوات من السجون والتعذيب، إنتهت برصاصة لعنصري متطرف أنهت حياة مارتن لوثر يوم 3 أبريل 1968م.. لكنها أذنت ببزوغ شمس الحقوق المدنية فصلاً في الدستور الأمريكي.

حيث قام الرئيس الأمريكي آنذاك ليندون جونسون في النصف الثاني من أبريل 1968- أي بعد عشرة أيام تقريباً من مصرع القس مارتن لوثر – قام بتوقيع قانون الحقوق المدنية الذي يضمن المساواة بين كل الأمريكيين بمختلف أعراقهم ومعتقداتهم. ولعل من ثمرات ذلك ما شهده العالم من جلوس رئيس من أصول أفريقية (باراك أوباما) على سدة حكم اميريكا بعد أقل من نصف قرن على انتصار ثورة اللاعنف بقيادة مارتن لوثر.

وتأتي ثالث ثورات الحراك السلمي في السودان بعد أقل من نصف قرن من انتصار حركة الحقوق المدنية (ثورة اللاعنف) في أميريكا. ولأنّ التاريخ لا يعيد نفسه كما يردد الأغبياء ، فقد أضافت ميكانيزمات الثورة السودانية أشياء جديدة لثورات الشعوب: السلمية مصحوبة بالوعي الشعبي الجارف.

فالشارع المصادم بسلاح سلميته وليس سواها يأتي كل حين بتكنيك يعلي من زخم الثورة. ويخصم من رصيد عنف وصلف الآلة العسكرية الحمقاء. لم يقرأ قادة عسكر السودان الحاليين ومن وقف معهم من المليشيات والأرزقية ومن تبقى من لصوص نظام الإخوان المسلمين المباد – لم يقرأ هؤلاء التاريخ . وإلا لأدركوا أنّ زخات الرصاص لن توقف هدير الشارع الذي هو جزء من حركة التاريخ في هذا الكوكب.

وأخيراً .. أن يخرج علينا والي الخرطوم بتصريحه الهزيل، بأنّ كل كباري العاصمة المثلثة سيتم إغلاقها يومي 29 و30 يونيو الجاري، ذاك شيء يدعو للضحك. فكأنه يحكي للثوار عن لغز شبعوا من حل طلاسمه ، حتى عاد إغلاق الجسور في العاصمة المثلثة وقطع الإنترنت والهواتف عن كل بقاع الوطن لا يعني شيئاً للملايين التي لم تكف عن الهتاف والمطالبة سلمياً بحقها في الحياة الحرة الكريمة وبإقامة دولتها المدنية. هل بلغ خوفكم من طوفان 30 يونيو هذا الحد المخجل؟

إن شعبنا بقيادة لجان الإنتفاضة الشابة وقوى الثورة الحية له من الوعي والصبر وطول البال ما يجعل حربكم عليه وقتل الشباب من أبنائه وبناته فصلاً من القبح تتذكره الأجيال القادمة يوم تبني جيشاً من صلب هذا الشعب. ينتمي لتراب الوطن ويوجّه الرصاصة للعدو لا لصدور أبنائه وبناته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.