“جنينة يا حرة.. الجنجويد بره..”

0 71
كتب: محمد فاروق سليمان
.
لا اعرف لماذا الان توقيت زيارة المبعوث الاممي بيتريس فولكر للجنية ولقاء حميدتي، لكن بالتاكيد الاهداف من هذه الزيارة بعدها لن تكون كالاهداف قبلها.
المجتمع الدولي اكثر تاخرا الان عن الحركة لسياسية السودانية في معرفة مالات التغيير والثورة في السودان، وان كانت الاخيرة “تقاد” ولا “تقود”، الا ان دور المجتمع الدولي قد يكون اكثر إرباكًا للمشهد بشكل عام، ووفق متغيرات دولية كثيرة، في مقدمتها الحرب الروسية الاوكرانية، الان قد لا تكون الثورة السودانية من اولوياته، لكنها ليست كذلك بالنسبة للسودانيين والسودانيات.
ما يحتاجه السودانيين الان سيتجاوز ما اعتادوه: كما لن يكون المجال العام مفتوحا امام مقولات مثل توحيد قوى الثورة، ومركزها الموحد وضرورة هذا لتاكيد انتصارها، (والتي يتم الان تبنيها كموقف ايدولوجي وبشكل يقيني اكثر منها موقف “ثوري” اًو حتى موقف سياسي “ساي”)، ولا حتى انتظار انحياز الجيش وقياداته (بما في ذلك القيادات الوسيطة وصغار الضباط) صار امرا ممكنا، وفق ما كان يسميه الدكتور حمدوك “بالنموذج السوداني الفريد”، فقد انتهت فرص هذا النموذج يوم ٢٥ اكتوبر وبشكل كامل بعد استقالة د. حمدوك.
قد يكون الاسلاميين أو بعض منهم من ظل يدفع الوضع للانهيار، في ظل تنافسهم التقليدي مع الحركة السياسية التقليدية ايضا، ويسارها تحديدا، لكنهم لن يعوا ابدا أي مارد يمكن ان يطلقوه بمواقفهم هذه من الثورة، الا وهم اول ضحاياه وبشكل اكبر من ذهاب السلطة عنهم، لم يكن في طاقة الحركة السياسية ابداً. يمينها ويسارها وما بينهما.
بالتاكيد لا يمكن النظر حتى الان لمالات بروز عقل سلطوي جديد من خلال ميثاق سلطة الشعب وتوجيه عقل المقاومة أو تاثر هذا العقل بالإرث السياسي القديم للحركة السياسية عندنا كأفق للحل، وإن لم يكن هو اعادة لكل عناصر الدايرة المفرغة وتاكيد فشل التجربة الوطنية في الحكم فمرد ذلك لسب بسط وبديهي: الميثاق وبالطريقة التي انتج بها، كنشاط قاعدي وليست فاعلية فوقية، ليس اكثر من مرحلة في طريق جديد للتعلم ، ولا بأس من النظر لبعض اخطاء الماضي بهذه الطريقة، تعلم شق على الحركة السياسية كما لن يكون يسيرا على حركة الجماهير، ولكنه اكثر اصالة وقسوة من حقب الاستسهال السياسي! وقد يكون الاقدر من ناحية الجدوى اذا قدر لعملية التعلم هذه ان تردم هوة المعرفة والقيم التي عجزت عن عبورها حركتنا السياسية.
وعلى ذكر اعادة بعض الفصول في الماضي وقدرة العقل القديم على اختراق المعاصر وتهديد المستقبل، ومن خلال ادواته ومسلماته، ففي هذا الطريق قد تكون المسلمات الجديدة والرفض القاطع للادوات القديمة طريق للردة والنكوص عن واجبات التأسيس ومهامه، من خلال تعزيز فرص تطور عقل سلطوي محض سواء من داخل معسكر الثورة او مناوئيها، وبشكل يقطع الطريق امام تحول ديمقراطي حقيقي وعقد اجتماعي جديد؛ يلتزم بالحرية ويستديم السلام ويحقق العدالة.
النشاط القاعدي من السهل ان ينحرف لفعالية فوقية، وتتحول اهم عناصر حيويته في الاتساع افقيا والانشغال بالتاسيس الدستوري، والالتزام بحقوق المواطنة وشروط دولة المواطنة وصولا لعمومية الدولة الوطنية نفسها، بدل شكلها “المركزي” الحالي والاقصائي بطبيعة انعدام العمومية وفق شروط تخلقها تاريخيا كوطن “تركيب” وفق ظاهرة الدولة الوطنية لما بعد حقب الاستعمار او دولة النخبة والمؤسسات الاستعمارية اذا جاز لنا، وليس انجاز صراعنا السياسي الاجتماعي وفق مسار مختلف عن ما يعرف بطفرة الاستعمار: والتي خلقت مؤسسات حديثة وعلاقات مجتمع حديث وحتى دولة حديثة دون نشاط حديث حقيقي: بمعنى التنمية، الصناعة، وتوطين المعرفة وانتاج التكنولوجيا!
في هتاف اهل الجنينة* هذا “الجنينة يا حرة.. الجنجويد بره..” تلخيص لما يمكن ان يكونه السودان مستقبلا، فمخاوف اهل الخرطوم من الجنجويد مفهومة، ويمكن وضعها في اطار استشعار المركز لتهديد امتيازاته، وهو امر لا بد منه طبعاً، لكن لا يمكننا الركون لهذا الابتسار في فهم موقف اهل دارفور تحديدا. لكن الاهم هو ان لا يكون هذا الموقف تعزيزا للانقسام الاثني الموجود وانحراف النشاط القاعدي مجددا، فمن المهم التفريق بين الوجود العربي في دارفور، وحقهم في هذا الوجود، وبين وجود الجنجويد “الفوقي” والرسمي كمهدد للتعايش وفق شروط الان.
بعيدا عن مجهودات فولكر الان، وحتى الالية الثلاثية، على السودانيين الوقوف امام ترديد شعارات ضد وجودهم مع بعضهم، وبدلا من النظر للحوار والتفاوض كفريضة دولية، من المهم الان النظر الى واجباتنا الوطنية، والتي قد لا يكون حتى التفاوض من اولوياتها الان، لكن هذا لا يجعل من رفض التفاوض موقف سياسي سليم، بنفس القدر الذي يكون طرحه الان او لاحقا تقدير انتهازي محض. طالما يقوم كلا الرفض والقبول على شروط الصراع على السلطة وليس التاسيس لهذا الصراع. والذي قد يعني ان ما نسطره كمواقف من ابتعاد الجيش عن السياسة او دوره في ادارة الاقتصاد، سيكون من البديهيات باكثر من هذا العقل المأزوم الان تجاه الجيش وواجبه الوطني، لكن من المهم الان النظر لغياب المؤسسات المدنية التي تقوم بكل ذلك، والاهم غياب النص السياسي العمومي الذي يتأسس على قيم ورؤى الثورة وضرورة الحوار السوداني السوداني الان كمدخل للقبول والرضا بما يمكن ويجب ان نكون عليه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.