من النقابة إلى الغابة: عن خرق الفلول لقانون حل النقابات

0 73
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
(قضى مولانا أبو سبيحة قبل أيام باستعادة اتحاد نقابات العمال المحلول بأمر الثورة قبل الحكومة الانتقالية لإدارته الإنقاذية الانتهازية بقيادة المهندس عبد الكريم . وليس هذا حكماً بل وقاحة. فكان القسط يقتضي أن يرد أمر الاتحاد إلى قواعد العمال في انتخابات دورة جديدة لنقابتهم على ضوء قانونها الجديد. ولكن لم يقصد أبو سبيحة رد الأمر إلى نصابه بل الكيل ما يزال في إهانته للثورة التي أزكمن الأنوف. ومن يهن: فلم أسمع إلى يومنا استنكاراً للحكم من أي جهة تزعم الثورية بما فيها أبو الكجمجم، الحزب الشيوعي، بتاع عاش كفاح الطبقة العاملة. وقد يعود الحزب إلى الأمر بعد أن يصرع قوى الهجوم الناعم بالضربة القاضية، أو يعود “ضاباً” الحلو أو عبد الواحد أيهما أسرع.
وهذه كلمة قديمة عن هوان النقابات العمالية في سياسات قوى الحرية التغيير (15 مايو 2020).
تنادت نقابات الفلول أمس لتقديم مذكرة لمندوب الأمم المتحدة في السودان تحتج على دعوة الحكومة لبعثة للأمم المتحدة تحت البند السادس لسندها في أنجاز الفترة الانتقالية برحابة وكفاءة. وقد ظل انتهازيو الإنقاذ يلوحون بهذا الاحتجاج باسم الوطنية وهم ممن رأى القاصي تكففهم بالوطن، وموارده، والارتزاق بدم أبنائه مما يقع تحت طائلة الخيانة الوطنية.
تريد الفلول، فلول البشير بعد نميري، بهذا التمحل كسر هيبة الدولة والثورة. يريدون القول إن قرارات حل النقابات الصادرة عن الحكومة (والمؤتمر الوطني) كأن لم تكن. وأنهم “صابنها” نقابياً في سياق معارضة شملت التظاهرات الرعناء في وضح الكورونا، وحرائق المحاصيل، والأقلام الكذوبة والمتفشية على الميديا. وبلغ تربصهم بالاستهانة بقرار الدولة بحل حزبهم، أو وكرهم، وضع الدعي أنس عمر لافته المؤتمر الوطني لخطبه للهرج على الثورة.
وأسهل الحلول لهذا الخرق للقانون أن تلقي الحكومة القبض على مرتكبه، وتحقق معه، وتعرضه لمحكمة ناجزة يلقى جزاءه المستحق. فهؤلاء قوم أخذهم البشير بالشدة. وحرّم عليهم “بغم” على علو صوتهم الرقيع عن اشتهائهم الشهادة. فلم يحسنوا لعدل الثورة وسلامها وحريتها التي فكت عقدة ألسنتهم الملوثة بالملق المُحَجر عليها الاحتجاج.
أما أقسى الحلول فعائد إلى قحت. فغير خاف أنها فشلت في بناء النقابات بعد أن مهدت لها الحكومة، بطلب منها، بحل نقابات الفلول بقانون جلب لها نقد الحزب الشيوعي. وزادت الحكومة بتكوين لجان تسيير ما زالت تراوح مكانها. وهذا استنجاد بالدولة غير خليق بثوار لهم هذا الرصيد من المليونيات. فلو بادروا باحتلال النقابات من القواعد وعلى رؤوس الأشهاد لقطعوا قول كل فلولي. ولكن تلك ملكة خلا منها وفاض الثوار كما سنرى.
والشاهد على كساد النقابية في قحت انتخابات سكرتارية المهنيين قبل أيام. فلم تأت تتويجاً لنقابية من القواعد كما كتب جعفر خضر بل كنهش لرأس الهرم القيادي في الخرطوم. ولا يعرف قارئ خبر نتيجتها من “أرادها” من لأن الأطراف تتحدث بلغة: “ولكن بعضهم أرادها إلخ”. فتعرفه ولا تعرف من شنقله إلا اجتهاداً.
ولو كان فشل تجمع المهنيين في استرداد النقابات ابن يومه لهان. ولكنه أثر من داء نخر في المعارضة لثلاثين عاماً سميته “من النقابة للغابة” مستعيراً العبارة من الواثق كمير. فذكر يوماً العبارة في نعيه لعدلان الحاردلو الذي استدرجه للعمل في نقابة أساتذة جامعة الخرطوم. ولم يلبث الواثق بعد حلها بعد انقلاب 1989 أن انضم للحركة الشعبية في الغابة. وهذه سيرة المعارضة تمثلت في رجل. فهجرت المعارضة ميدان العمل الجماهيري. وقلت لأحدهم في لقاء صحفي عن مغبة إخلاء المعارضة لساحة العمل الجماهيري: “أكبر أخطاء المعارضة المسماة شمالية هي في ترك ما تحسنه إلى ما لا تحسنه. فقد تقاطر ركبها نحو العمل المسلح وبيئاته بعيداً عن المدن والأرياف المتقدمة مستودع جمهورها وخبرتها السياسية التاريخية. وتذرعت في هذه الهجرة إلى المجهول بالنظام الذي جعل العمل في النقابات مستحيلاً وبتحديه لهم ان “يطالعوه الخلاء”. فحتى من لم يحمل السلاح من المعارضة المدنية انتظر “الانتفاضة المحمية” (من مقررات مؤتمر اسمرا المصيري 1994) بتركيز على “المحمية” لا “الانتفاضة”. وبلغت عقيد المعارضة في استحالة العمل النقابي في شرط الإنقاذ العصيب أن رحلوا بالنقابات “الشرعية” إلى مهاجرهم تجملاً. وحين وقعت الانتفاضة في سوح العمل الجماهيرية التقليدية، لا الغابة، كان الحامي هو الله.
سيحسن المهنيون الظن بأنفسهم جزافاً إن ردوا فشلهم في ملأ الفراغ النقابي الجاثم إلى التباس قانوني أو إلى صراع فرقهم كعقارب في زجاجة. المسألة عاولة ونعود لها إن شاء الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.