التغيير بات وشيكاً، فهل هو مرحلة أخرى من مراحل الإنقاذ، أم هو الخلاص؟
كتب: محمد جلال أحمد هاشم
.
الجو الآن في الخرطوم مليء بالشائعات التي تتحدث عن تغيير وشييييك ومرتقب يقوده الجيش. أولا، صدر إعلان بحالة الطوارئ في كافة البلاد وربما يكون هناك حظر تجول، ثم استيلاء الجيش علي كامل السلطة وحل مجلس السيادة وتنحي البرهان .. إلخ.
فما هي حقيقة الوضع؟
في رأيي المتواضع، مستصحبا مشورة بعض الأصدقاء من ذوي الشوف الثاقب، وانطلاقا من أسوأ الاحتمالات، هذه خطة كيزانية خطيرة للغاية! الآن هناك حديث عن أن برهان وحميدتي وفولكر كووولهم خارج الخرطوم. وعليه، السيناريو المتوقع من باب أسوأ الاحتمالات هو (1) إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول؛ (2) ارتكاب جريمة فض اعتصام الساحة (وأي تجمعات ثورية أخرى بطول البلاد وعرضها) والتنكيل بالثوار بوحشية غير مسبوقة، سوف تشمل قيادات سياسية وكتاب رأي وقفوا في خندق واحد مع الثوار؛ (3) حدوث انقلاب عسكري صوري بحجة انحياز الجيش للشعب كرد فعل لهذه الجرائم البشعة التي سوف تُجابه باستنكار عالمي. بموجب هذا الانقلاب الصوري سوف يتم حل المجلس العسكري وترحيل قياداته لخارج البلاد؛ (4) تكوين مجلس عسكري يتولى الدفاع والشرطة والأمن والسيادة؛ (5) تشكيل حكومة مدنية بصلاحيات لا تشمل المؤسسات الثلاث المشار إليها أعلاه. هذا هو سيناريو أسوأ الاحتمالات!
وطبعا بمجرد الإعلان عن أسماء قيادات الانقلاب الصوري سوف يتضح فورا أن جمييييع هؤلاء العسكريين المتظاهرين بانحيازهم للشعب ليسوا سوى كيزان منظمين وملتزمين.
هذا ما سيحدث في أغلب الاحتمالات!
لكن هل يا ترى سينجحوا في كسر شوكة لجان المقاومة؟ لا يمكن! وإلا كانوا قد نجحوا قبل ثلاث سنوات عبر العنف الذي استخدموه في فض الاعتصامات. لكن يا ترى في ماذا يمكن أن ينجحوا؟ غالبا ما سينجحون في تصفية بعض القيادات السياسية والميدانية بين لجان المقاومة، وليس بالضرورة أن تكون هذه القيادات محسوبة على الشيوعيين، بل قد تشمل حتى الذين لا علاقة لهم باليسار. ليس هذا فحسب، بل غالبا ما تمتد التصفيات الجسدية لتشمل أغلب قيادات الحزب الشيوعي، وغيرهم من السياسيين وكذلك كتاب الرأي من غير اليساريين وكذلك جميع الذين برزوا بوصفهم ضمن مشكّلي الرأي العام المضاد لخط الشراكة مع العسكر والجنجويد، وتبعا لهذا ظلوا يناهضون أي نوع من التسامح مع الكيزان، دع عنك الشراكة معهم.
هذه الجريمة، إذا وقعت فعلا، غالبا ما ستقوم بها مليشيات الإسلاميين التي يا طالما تشدقوا، ولا يزالون، بوجودها. لماذا؟ لأن هذا هو ثمن عودتهم للمشهد السياسي وللحكم.
بكل أسف، في جو مثل هذا، كل ما سيفعله بيان الحزب الشيوعي الذي صدر قبل ساعات ويدّعي فيه القدرة على تشكيل قيادة موحدة للثورة ما هو إلا “قنطرة” لنفسه وتحضيرها للاستهداف المباشر. وهذا شيء مقلق فعلا! فبيان الحزب الشيوعي كما لو كان يتكلم عن أحلامه، لا عن خطة قابلة للتنفيذ. فهو لو كان يملك الآلية التي سينفذ بها تشكيل هذه القيادة الموحدة للثورة، لكان لزاما عليه من باب الأمانة والشفافية، لا أن يعلن عن هذه الآلية فحسب، بل أن يبدأ بها. ولكنه لم يذكر شيئا عن هذه الآلية! والخشيةُ كلُّ الخشيةِ هي أن يكون الحزب الشيوعي قد وقع في شرك قد نصبه بنفسه ولنفسه من غير أن يدري. فقد لاحظ الكثيرون مؤخرا مداومته، بل في رأي البعض إدمانه، على خلق وهم كبير وخطير فحواه أنه يسيطر على لجان المقاومة، بينما هذا غير صحيح بموجب ما عليه الأمر على الأرض الآن.
بلورة القيادة الثورية الحقيقية تكون باتباع ثلاث خطوات هي: (1) بتشكيل المجلس التشريعي الثوري بأغلبية الثلثين من شباب مصعدين من لجان المقاومة؛ (2) إجازة دستور انتقالي يحدد مهام الفترة الانتقالية (ما يعني عمليا انتفاء الحاجة لكل هذه المواثيق طالما أن الدستور الانتقالي سوف يجبُّها كلها)؛ (3) يقوم المجلس التشريعي بتشكيل حكومة ثورية انتقالية من نفس شباب المقاومة على ألا تتجاوز أعمار وزرائها (بما فيهم رئيس الوزراء الانتقالي) عن 50 عاما كحد أقصى. هكذا يمكن أن تتشكل القيادة الثورية، ليس لقيادة الثورة فحسب، بل لقيادة البلاد والخروج بها من هذه الوهدة. أما أي حديث عن قيادة مركزية للثورة، فإن مثل هذه الخطوة سوف تؤدي حتما إلى المزيد من الانقسامات بين القوى السياسية (المنقسمة أصلا على نفسها)، بما من شأنه أن يدفع بهذه الانقسامات إلى التغلغل وسط لجان المقاومة التي لا تزال تحتفظ بدرجة كبيرة على وحدتها. هذا جانبا عن عدم ملاءمة مصطلح “قيادة مركزية” لواقع الحال؛ والديكتاتورية في إحدى تعريفاتها هي ممارسة السلطات المتمركزة.
وعلى أيٍّ، كما يقول المثل، الصباح رباح! ساعات وبعدها سوف تتضح الحقيقة وتسطع شمسُها، والثورة مستمرة والنصرُ أكيييييييد!