الامتيازات التاريخية!

0 48
كتب: فايز السليك
.
باستمرار ظل صديقنا مبارك أردول، يصور مواقف المعارضين للانقلاب بأنها جاءت بسبب فقدانهم ( امتيازات تاريخية) ذهبت الى أهل الهامش، وهو ما يقول به بعضٌ من رفاقنا الآخرين، وان قالوه، بعبارات مختلفة! وبالتالي فأن أي عملية نقد لشخصه تعني نقد كل أبناء المكون الاجتماعي الذي ينحدر منه.
لا أدري هل لم يتسوعب رفاقنا القدامى أن عملية بناء الحواجز و تشييد المتاريس في صباح ٢٥ أكتوبر، كانت ضد الانقلاب من حيث المبدأ، ودون معرفة هوية الانقلابيين؟ وهل اذاعة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، للبيان المشؤوم أوقفت تدفق الجموع، الهادرة؟ و هل فقدان ١٧ شاباً أرواحهم في صبيحة يوم الانقلاب كان من أجل حماية ( امتيازات تاريخية)؟
هل يا ترى صفق أهل نهر النيل فرحاً، ورقص أبناء شندي طرباً عند سماع للبيان الانقلابي فرحاً لأن قائد الانقلاب ابنهم؟
الانقلاب يا سادتي شارك في التخطيط له قائد الحركة الإسلامية علي كرتي، الذي كان أحد قادة ( الجهاد ) في جبال النوبة وجنوب السودان، وتعرفون كذلك أن قائد الانقلاب ينحدر أصلاً ومكاناً من ( الشمال النيلي ) ، ويشاركه في ذلك أركان حربه، وضباط كثر من الجيش بالإضافة الى قادة الدعم السريع ( ذوو الأصول العربية) وان جاءوا من دارفور!.
ليت صديقنا أردول، يكف عن محاولات الدفاع عن الانقلاب والتسويق له عن طريق ( الابتزاز) بأن من ينتقدوننا ينتقدون أصلنا، وهذا الابتزاز بقصد اسكات الأصوات من جهة وتجييش أبناء المكون العرقي من جهة آخرى في مواجهة الآخرين الناقمين.
أدرك أن الرجل لا ينقصه ذكاء كي يدرك أن مسألة وجود شخصٍ من ( الهامش) في منصب ما؛ لا يعني بالضرورة انتهاء مظالم أهله، بل قد يكون المنصب قطعة ديكور على خشبة المسرح العبثي، وتيمومة جرتق في حفلات الزهو بالانتصارات الزائفة)!.
لماذا يحاول بعض الرفاق من عناصر ( الهامش) تسويق فرضية أن مقاومة الانقلاب تعني بالضرورة محاولة لاستعادة امتيازات مفقودة)!،
أصحاب الامتيازات المستمرة) هم من يدعمون الانقلاب لا مقاومته، هم بعض من جنرالات قوات نظامية، ومزج من مجموعة من شبكات مصالح اقتصادية تواصلت عملية بنائها لأكثر من ثلاثين عاماً. الانقلاب فتح الطريق واسعاً أمام مجموعة شبكات المصالح كي تمارس علناً أنشطتها ( الطفيلية) في المضاربات وتدمير الاقتصاد، هي ذات الشبكات التي كانت تدعم ( الجهاد ) في الجنوب، والقتال في دارفور.
هل تعلم يا ( رفيقي القديم) أنهم هم يديرون دفة الدولة؟ وهل لا تزال تعتبر معارضة الانقلاب بكاءً على امتيازات؟ أي امتيازات تعني؟ أهي امتيازات نخب الشمال النيلي التي كانت تحكم ولا تزال؟ أم هي امتيازات سلطة زائلة وانتقالية شارك فيها رفاق لك، كنت تشاركهم ذات السلطة والمناصب؟
هلي يظن البعض أن وجود عدد من قادة ( الكفاح المسلح ) في سلطة لا تعدل حتى مع من ( ينتمون اليهم فكرياً أو عرقياً أو جغرافياً) يعني تحقيق عدالة للهامش؟ هل يعني هذا عودة التنمية المفقودة أصلاً؟ وهل يعني وقف شلالات الدماء المسفوكة من زمان ولا تزال؟ وهل يعني عودة النازحين من معسكرات كلمة وزمزم وغيرها إلى مناطقهم آمنين سالمين فرحين؟ هل تعني عودتهم لمغازلة أراضيهم الممسلوبة؟ أم تعني عودة العدالة الغائبة انتصاراً للضحايا وذويهم؟ ،
المؤكد عندي أن مسألة تولي رفاق الكفاح المسلح مناصب قيادية يعني في المقاوم الأول تحقيق ( مكاسب ) شخصية)؛ لكنه لا يعني انتصار أصحاب المظالم، ما لم يشكل هذا الأمر بدايةً لفتح طريق لتحقيق العدالة والمساواة ودولة المواطنة، وهذا لا يتم الا اذا ما جاء في عهد ديموقراطي، تم تصميمه من أجل دولة المواطنة لا دولة فئة بعينها.
إن عملية استخدام الابتزاز في الدفاع عن الحكم العسكري، والاستمرار في مهاجمة المعارضين له ووصفهم بأصحاب ( الامتيازات التاريخية) هو محاولة لتغطية عين الشمس بأصبع، ومساعي خاسرة للتسويق لنظام يعارضه الناس من قبل اعلان بيانه.
إن التماهي مع الانقلابيين لن يحل مشاكل ( الهامش) والتماهي آلية دفاعية و عملية نفسية تستخدمها الجماعات المقهورة لتبرير مواقف ملتبسة هروباً من قلق لوم النفس واستراحة من عذاب الضمير، عندما يذوب الشخص المقهور في شخصية، وأدوات وقيم المتسط، وبالتالي تتخذ بعض الرموز والأفراد من هذه الآلية كجيلة دفاعية وحماية لأنفسهم من غضب المتسط، أو اعتقاداً منهم أن هذا التماهي سوف يجلب لهم رضاء السُّلطة المركزية بالذوبان فيها، أوبتماثلها.
التماهي من الآليات السهلة للتحايل لأنها تُشعر من يستخدمها بأنه صعد مرتبةً أعلى في تراتيبة المجتمع المعني، وبأنه صار أقرب إلى النُّخب المسيطرة، والحاكمة،
أيضاً ربما تحرك البعض نزعات الانتصار للذات، وهو أمر طبيعي، لكن ان تكون انتصارات صغيرة، أو عملية كيد للرفاق المختلفين معهم، وعلى حساب الوطن فهذاخسرانٌ مبين!، فالوطن ليس لعبة نتسلى بها، أو نغتر بنصرة النفس الأماراة بالسوء مدفوعين بغبائن ومرارات.
نعم أقف شخصياً مع انتهاء عهد ما اصطلح بتسميته ( الامتيازات التاريخية) أي احتكار نخب بعينها لمنافع اقتصادية وسياسية واجتماعية منذ استقلال البلاد.
إن المطلوب هو تحقيق المساواة في الحقوق ،لا المساواة في الظلم، و يكمن المخرج الحقيقي للبلاد من أزمتها في تبني سياسات حقيقية ، لا مسألة صعود أشخاص من هنا أو هناك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.