أزهري جنو وجن المصاريف: كيف قرب يجلي من كلية غردون
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم (15 سبتمبر 2017)
.
صفوتنا مصابة بما يعرف ب “النوستالجيا للاستعمار”. ومن ذلك أنهم يميزون عصره ب”مجانية التعليم”. ولم يكن التعليم في عهد الإنجليز مجاناً بإطلاق كما يذيعون. كان التعليم بمصاريف كمبدأ. ثم يجرى اعتبار موارد الأسرة. فتقرر لجنة فيها إدارة أهلية مع مفتشي تعليم ونظار إن كان القبول بالمصاريف كاملة أم نصفية، أم ربعية، أم مجاناً. ومن قرا سير رجال من ذلك العهد لعرف منها أي عقبة شكلتها مصاريف التعليم دون مواصلة تعليمهم. وليس من هؤلاء الرجال علماً مثل الزعيم إسماعيل الأزهري حكى بنفسه أنه كاد ألا يلتحق بغردون لمانع المصاريف لولا تداركته رحمة من الله.
لقد أثقلت مصاريف المدرسة على الناس (أو انها كانت مادة لمعارضة نظام أو آخر في عهدنا المستقل) لتذيع الصفوة خبراً كذوباً عن تعليم الإنجليز عزاء أو إثارة سياسية. ولذا قيل في تعريف النوستالجيا إنها التاريخ كما لم يحدث (أو كما يشتهيه بعضهم)، أو كما لم يحدث تحديداً كما زعموا.
جاء في مذكرات الزعيم الأزهري التي نشرتها جريدة “الأيام” في 1957 أن الزعيم كاد يفقد فرصته لدخول كلية غردون لأنه طلب أن يقبل مجاناً في دلالة أن التعليم كان بالمصاريف، لا كما يروج بعض المسيئن للتاريخ. ومعروف أن الأستاذ بشير محمد سعيد هو من جلس إلى استاذه الأزهري يملي عليه مذكراته في 1957. ثم أصدر بشير كتابه “سيرة الزعيم الأزهري” في الثمانينات). ولا بد أنه بناه على حصيلة الخمسينات. وليس الكتاب بيدي الآن لأتحقق من ذلك. وتجد أدناه الرواية كما هي عن عام 1957:
انتقل الطالب اسماعيل الأزهري من مدرسة مدني الوسطى إلى أمدرمان في 1917. وقال إنه شعر بشيء من الوحشة بين طلاب مدرسة أم درمان الوسطى الكثر. ولكنه سرعان ما صار ألفة لفصله، وانتزع الأولية عليهم في دروسه كعهده في مدني. وبلغ من حذقه الرياضيات أن صار ناظر المدرسة، مرسي أفندي فهمي، يحضر للفصل ويكِلْ له تدريسها لزملائه في الفصل ثم ينصرف. ووعد الناظر تلاميذه أن يهب ساعة هدية لأول امتحانات لجنة الكلية. وحرص الأزهري على أن يُحسن الرياضيات لأنها مكمن قوته ولأنها “فرَّاقة الحبايب” كما اشتهرت بذلك. فقد تُخْطيء في الإملاء فتفقد درجة واحدة أما إذا أخطأت في مسألة حسابية خسرت درجاتها كلها. وجلسوا للامتحان ونازل الأزهري ورقة الرياضيات “في قوة وثقة وكان لي ما أردتُّ، صرعتها كلها في ضربة واحدة فنلت الدرجة الكاملة”. وانعقد لهم الإنترفيو (المعاينة) في كلية غردون وقد اجتمعوا في صفوف بحسب المدرسة وعلى كل صف معلم من ذات المدرسة. ومر عليهم مستر سمبسون، مدير الكلية ومدير المعارف، ولم يختر الأزهري بحجة أنه طلب أن يقبل في الكلية بالمجان. وساء ذلك الأزهري، وانقبض له، وتبخر حلمه في أن يحصل على الساعة المبذولة لأول اللجنة. ولكن سمبسون عاد من جديد ودعا الأزهري لصف المقبولين. ولما أعلنت النتيجة كان ترتيبه الأول وقبلوه بالمجان. وانتهز ناظر مدرسته الوسطى يوم الآباء ليقلد الأزهري الساعة المكافأة.