النيابة والادعاء والقضاء.. لمن تقرع الأجراس..!!
ماذا يجري في الهيئات العدلية السودانية ونحن سوف نتروّى قليلاً قبل أن ننفض يدنا من كل مؤسسات العدالة في الوطن.. فهذا الذي يجري الآن تحت دبابات الانقلاب يطلق آلاف علامات الاستفهام في الفضاء السوداني.. وقد سئمنا والله من إيراد ما قاله (ديجول) عندما اخبروه بأن الألمان حطموا ولوثوا كل مؤسسات وكيانات وهيئات ومباني ومعاني فرنسا فقال لهم وماذا عن القضاء في فرنسا..؟! قالوا له القضاء بخير.. قال لهم: إذاً فرنسا بخير..!!
كل هذا القتل والتعدي على الحقوق وعلى الأرواح بالعشرات والمئات والأجهزة العدلية ساكتة ساكنة بل أنها نشطة في تحريك البيانات وإقامة المحاكمات في واقعة تعرّض لها شخص واحد لأن الانقلاب يرى أن هذا الشخص من منسوبيه… ولكنها تصمت صمت الأسماك أمام مقتل وإصابة المئات والآلاف من المواطنين والشباب والصبايا.. وأمام القنص والدهس والسحل بالمجنزرات والمصفحات التابعة للدولة.. فهناك من يذبحون بالعشرات والمئات في دارفور وفي أنحاء السودان كافة، ولا حركة نيابية أو لكزة عدلية.. ولا تحقيقات قضائية ولو صورية أو حتى سطر واحد في ورقة (بلاغ كاذب)…!!
وبالأمس تقتحم سيارات بلا أرقام منزل مواطن وعليها مجهولون بملابس مدنية يحطمون الواجهات ويروّعون الأطفال وينشرون الرعب في الحي بكامله..ولا كلمة ولا تحقيق..! لكن الادعاء العام والنيابة تتحدث عن دعوى قانونية لإغلاق موقع صحيفة تصدر في الخرطوم وتتجه لفرض الحراسة على نقابة المحامين تمهيداً لإغلاقها..ولكن أين كانت هذه الأجهزة العدلية عندما وقع الاعتداء السافر من جماعة معلومة من صعاليك الفلول تحمل العصي والنبابيت والعكاكيز وحديد السيخ لتهديد المجتمعين في دار نقابة المحامين الذين يتحاورون في شأن يهم نقابتهم كما هو الحال في أي هيئة محامين في الدنيا تتداول حول دستور البلاد والقوانين القائمة أو المقترحة..!!
وفي الأسبوع الماضي وحده تتابعت الاعتداءات الخشنة والوحشية من موظفي الدولة الرسميين والنظاميين ضد صحفيين عزّل وجرت ملاحقات واعتداءات صريحة عليهم بالضرب والإساءة والاحتجاز غير القانوني.. ولا كلمة من القضاء ولا النيابة تدافع عن المواطنين وتطمئنهم بأن العدالة للجميع وأن القضاء هو الحارس الأمين للحقوق.. ولكن الدولة كلها تقوم وتقعد في انتقاء مفضوح وانحياز غريب تقوم فيه بحبس العشرات لإنفاذ حق مواطن واحد لأن عين السلطة الانقلابية ترى انه من جماعتها.. ولا عزاء لحقوق آلاف القتلى والمصابين والمحتجزين والمفقودين..!!
لا يمكن أن يكون توجيه الملاحقة على الصحافيين والمحاميين حدث بالصدفة.. فالانقلاب الرخيص انقلاب الشؤم والشتارة و(العوارة) يريد أن ينشر أسداف الظلام والتعتيم على جرائمه القبيحة الفاجرة ولهذا فإنه يستهدف الصحافة ونقابة المحامين لأنه يخشى الحقائق ويخاف من نشر وبث ما يدور في الوطن..كما انه لا يريد أن تقوم للعدالة قائمة..!! ويا صديقي ليتنا نستطيع معرفة المنهج الذي تتبعه هيئة الادعاء.. وليتنا نعلم ما هو منهج وزارة العدل و ديوان النائب العام.. وليتنا نعلم كيف يعمل القضاء في السودان… ولنا الحق في طرح أسئلة في غاية البراءة: هل تعمل المؤسسات العدلية في الدولة السودانية بمثلما هو الحال في مؤسسات العدالة في كل الدنيا..؟! بمعنى أنها تحمى العدالة وتصون حقوق المواطنين على ذمة المساواة ولا تفرق بين مواطن ومواطن ومجموعة وأخرى ونظامي ومدني وحزب وحزب و(مطربش ومعمعم)..! وأنها تحمى أرواح المواطنين وممتلكاتهم وأطفالهم بالضمير المهني الذي يكفل عدم الانحياز ضد أحد لصالح آخر..وأنها تعتمد مبدأ المساواة بين الناس غض النظر عن انتماءاتهم وأعمارهم ووظائفهم وأزيائهم وأنها تغل يد المعتدي وتقبض على الحرامي وتعاقب القاتل ولا ترهبها آليات السلطة والجبروت ولا تخاف من إنفاذ العدالة على الجميع..؟! وهل هذا التعدي على البشر من طرف أصحاب السطوة والمسلحين هو من باب الصدفة..؟ وهل قتل البشر في مناطق معينة واستهداف آخرين بصفة خاصة وملاحقة الصحفيين والمحامين من الأمور التي لا تلفت نظر السادة (حرّاس العدالة)..؟!.. لمن يتبع الادعاء ولمن يتبع النائب العام..؟! وهل نستطيع أن نطمئن على استقلال القضاء ومهنية النيابة العامة وحيادية وزارة العدل..!!
نترك الإجابة عن ذلك للضمير الوطني.. وستنجلي هذه الأيام السوداء وحينها سيكتب التاريخ روايته.. فعندما ينحسر التيار سيعرف الناس من كان يسبح عارياً… الله لا كسب الإنقاذ..!!