التحول الديمقرطي في السودان: الطريق الى الأمام

0 135

رصد ــ السودان نت 

 

عقد مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر لقاءاً تفاكرياً يومي الرابع والخامس من أكتوبر الجاري في العاصمة القطرية الدوحة، حول التحول الديمقرطي في السودان: الطريق الى الأمام، والذي شمل لفيف من الأكاديميين وقادة المجتمع المدني السودانيين للتفاكر حول التحديات السياسية التي تواجه السودان بهدف الإتفاق على خارطة طريق لإدارة سلسلة اللقاءات التفاكرية التي تعقب اللقاء التفاكري الأول.

عدم الرضا الشعبي عن الوضع السياسي في السودان..

وأكد الدكتور غسان الكحلوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، أن المركز يعمل كمؤسسة بحثية مستقلة في إنتاج المعرفة ورسم السياسات في مجالي إدارة النزاع والاستجابة الإنسانية، بما يجسر الهوّة ما بين النظرية والممارسة، ويساند الجهود العملية المتمثلة في الحوار وتحقيق السلام، ومن ذلك تنظيم الورشات وتسهيل الحوارات الوطنية متعددة المسارات التي تسعى لخدمة عملية السلام، من خلال بناء أرضيات مشتركة.

وأشار الكحلوت إلى أنه وفقًا لاستطلاع المؤشر العربي الصادر عن برنامج قياس الرأي العام العربي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تقريره الأخير لعام 2019-2020، فإن ثمة حالة من عدم الرضا الشعبي عن الوضع السياسي في السودان، إذ قيَّمه نحو 67 في المئة من السودانيين بأنه سيئ إلى سيئ جدًّا، وكان هذا خلال المرحلة الانتقالية بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، وقبل تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وما تبعه من خروج الانتقال المدني المأمول عن مساره، ولعل الوضع اليوم أصبح أكثر سوءًا وتعقيدًا، لا سيما بعد الفشل في تأسيس الحكومة التي كانت مرتقبة مطلع هذا العام، ثم إعلان رئيس الوزراء استقالته، والاحتجاجات المستمرة حتى هذه اللحظة. وإن هذا التعسر في عملية الانتقال الديمقراطي ليؤكد الضرورة الملحّة والعاجلة لصياغة عملية سلام مدروسة وشاملة ومتكاملة، تؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الاستقرار والنماء وتسهل الانتقال.

فهم الأزمة الوطنية..

تطرق النقاش في محور الأزمة الوطنية الوطنية: الدولة الموروثة و البنية السياسية، لعدة جوانب تتعلق بطبيعة الدولة الموروثة من الإستعمار وغياب مشروع وطني متوافق عليه. أمنّ المشاركون على أن الدولة السودانية بشكلها الحالي تشكلت نتيجة لتفاعلات تاريخية محلية و اقليمية مع تمدد القوي الإستعمارية الحقب السابقة (وتحديداً قبل إستقلال السودان)، و كانت مشروعية الدولة السودانية محل سؤال عشية الإستقلال وصاحب تشكل صيرورتها كدولة وطنية صعود احتجاجات مسلحة في جنوب البلاد. وبعد أعوام من الإستقلل انتظم الناس في جبال النوبة وفي الشرق ودارفور أيضاً في نضالات مدنية مطالبة الدولة بالتعبير عن كل المكونات السودانية و ترجمة ذلك ف سياسات الدولة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.

اتفق المشاركون و المشاركات على أن جوهر أزمة الدولة السودانية هو أنها لم تعبر عن كل مكوناتها سياسيا وثقافيا واجتماىيا، وانعكس ذلك في التأثير على طرق توزيع السلطة والثروة في البلاد، وأفرز التنمية غير المتوازنة والتهميش الإقتصادي والثقافي والإجتماعي لقطاعات عريضة من السودانيين.

غياب المشروع الوطني وتدخل المؤسسة العسكرية..

وأكد المشاركون في محور الأزمة الوطنية: غياب المشروع الوطني وتدخل المؤسسة العسكرية، على أن الدولة السودانية لم تقدم مشروعاً وطنياً يعبر عن كل مكوناتها، و أن المشاريع التي قدمت من قبل النخب والطبقات السياسية كانت مشارييع اقصائية و شمولية في جوهرها. وتوافق المشاركون على حقيقة أنه لأ يمكن تخليق وتطوير مشروع مدني يعبر عن كل مكونات الدولة السودانية دون حوار مجتمعي واسع وتوافق سياسي عريض وتراضي على القبول والتعايش السلمي يٌترجم في عقد إجتماعي يؤسس للقبول والتراضي و يقنن لسبل وطرق التعايش السلمي.

وتناول المشاركون و المشاركات بالتفصيل دور المؤسسة العسكرية خلال فترات الإنتقال وتدخلها المتكرر لتسلم مقاليد السلطة كجزء أصيل من اصل الأزمةالوطنية، تارة بمساندة أحزاب سياسية، وتارة أخرى انقلباً على ترتيبات دستورية انتقالية قائمة حمايةً لمصالحها الإقتصادية وتكريساً لهيمنتها على مفاصل الدولة (كما هو الحال في انقلاب ٢٥ أكتوبر امتداداً لفترة الإنقاذ)، حيث شدد الحضور على حتمية ابتعاد المؤسسة العسكرية بميليشياتها المختلفة من المشهد السياسي وضرورة بناء جيش واحد بعقيدة جديدة كشرط لعملية التحول الديمقراطي.

السلام و العدالة الإنتقالية..

أوضح المشاركون في محور السلام و العدالة الإنتقالية في الدولة المنشودة، أن عملية صناعة السلام ارتبطت تاريخيا بطبيعة الحرب حيث أن الحرب تشن باسم أجندة مصالح المجموعات المهمشة والتي عادة ما يتم تغييبها في لحظة صناعة السلام بحيث يقوم السلام على تحالفات سياسية لحظية وفق قواعد السياسة مستواها النخبوي مما يؤدي الى تغييب اجندته المصالح و التطلعات التنموية لاصحاب المصلحة الحقيقيين. يتم هذا الأمر في شكل أشبه بجدلية الحرب والسلام التي تعيد انتاج نفس شروط الأزمة.

وناقش المشاركون و المشاركات مفهوم العدالة الإنتقالية وماهيتها في السياق السوداني من جوانب سياسية واجتماىية وحقوقية كمدخل لتحقيق سلم عادل وشامل ومستدام، مع ضرورة العمل على التوصل لنموذج عدالة انتقالية للتطبيق في الحالة السودانية مع اعتماد منهج يبدأ من القواعد. هذا المنهج هو الذي سينتج سلم ينهي الظلامات التاريخية، ينصف المظلوميين ويعالج الإختلالات الهيكلية في بنية الدولة السودانية التي أدت لفقدان الدولة السودانية لمشروعيتها في نظر قطاعات عريضة من السودانيين.

انقلب ٢٥ اكتوبر..

ناقش المشاركون في محور تداعيات و مخاطر انقلب ٢٥ اكتوبر على البلاد، جملة من الموضوعات، حيث طرحوا سؤالاً جوهرياً حول ما اذا كان انقلب ٢٥ اقد تم على حكومة ديمقراطية أو نظام ديمقراطي وأهمية توصيف الإنتقال بداياته بشكل صحيح ليتسن التفاكر حول الليات السليمة من الناحية الموضوعية والإجرائية لتحقيق الأهداف المنشودة وصولاً لانتقال مدني ديمقراطي حقيقي.

وتناول الحضور أيضاً بالنقد تجربة الإنتقال حتى انقلب ٢٥ اكتوبر معددين جملة من الأسباب التي أدت الى تعثر الإنتقال، منها أسباب تتعلق بتطبيق الترتيبات الدستورية في ذلك الوقت وتغول المؤسسه العسكرية على الصلاحيات التنفيذية، وأسباب أخرى تتعلق بالشركاء المدنيين أنفسهم وعدم قدرتهم على تنفيذ الحد الأدنى من الوثيقة الدستورية لسنة ٢٠١٩ م، بما في ذلك مساهمة القوى الموقعة على اتفاق سلم جوبا وتغليبها جانب المكون العسكري وأثر ذلك اضعاف تجربة الإنتقال برمتها. وأمنّ المشاركون و المشاركات أن نقد كيفية ادارة الدولة و الإنتقال في عهد الحكومة الإنتقالية وفق الشراكة مع المؤسسة العسكرية أمر صحي ويجب أن يتم في مناخ ديمقراطي منفتح.

تشظي القوي المدنية والموقف من اتفاق السلام..

في محور تشظي القوي المدنية والموقف من اتفاق السلام و تقاطع المصالح الإقليمية و الدولية، ناقش المشاركون والمشاركات جملة من القضايا المرتبطة بصعوبة توافق القوى المدنية على رؤية وبرنامج محدد للتغيير لأسباب تعزى من جهة الى اختلف القوى المدنية حول أدوات التغيير (بين فريق يؤمن بالتغيير التدريجي وفريق يؤمن بالتغيي الجذري الكامل).

وتناول المشاركون و المشاركات تحديات تكامل الأدوار بين القوى المدنية (لجان مقاومة وأحزاب سياسية) وأهمية العمل المشترك حول وحدة برامجية تلبي تطلعات الشعب السوداني وتعكس تضحياته النضال الطويل للوصول لحكم مدني ديمقراطي.

وناقش الحضور تماهي الأطراف الموقعة على اتفاق جوبا للسلام مع القوى الإنقلابية، حيث تطرق المشاركون للظروف التي تأسس عليها الإتفاق والأخطاء التي صاحبت عملية التفاوض منهجاً وموضوعاً وتطبيقاً. ناقش الحضور مستقبل الإتفاق وكيفية التعاطي معه سياسياً وقانونياً مشددين على ضرورة إعادة النظر في الاتفاق وربما إيقاف العمل به أو دراسة خيارات الغائه بشكل جزئي تمهيدا لحصر القضايا القومية ومناقشتها في حوار مفتوح يؤدي ال انتقال ديمقراطي.

أكد المشاركون و المشاركات كذلك على أن نظام الإنقاذ و تدخلت المجتمع الإقليمي حولت الدولة السودانية الى دولة وكالة تقوم بتنفيذ مهام جيبولتيكية في المنطقة، و أن الدولة السودانية الحالية اصبحت مختطفة بالكامل بتدخل دول في الإقليم فضلاً عن التدخل الروسي المباشر عبر مجموعة فاغنر التي هي واجهة لتدخلات روسيا في المنطقة لإعادة انتاج نظم كليبتوقراطية (اقلية) تحكم بقبضة السلاح و العنف و التسلط.

خارطة طريق الإنتقال الديمقراطي..

وأمنّ المشاركون في محور تطوير خارطة طريق لخلق رؤية مشتركة للإنتقال الديمقراطي،  على أن التوافق العريض بين المشاركين حول طبيعة الأزمة الوطنية و غياب المشروع الوطني وأن تجليات الأزمة هي استمرار حالة فشل الدولة وعجزها عن القيام بدورها الوظيفي. ووفق هذا التوصيف و التشخيص أوصي المشاركون بالآتي:

  • السردية الرئيسية للخطاب الإعلامي المناصر لعملية الإنتقال الديمقراطي ييجب أن تكون توحيد القوي المدنية والديمقراطية من اجل التحول المدني والديمقراطي وإنجاح الإنتقال المقبل وذلك عبر قيام الإعلام بدور تثقيفي وتنويري بالقضايا المختلفة المرتبطة باالإنتقال المدني الديمقراطي، وان يقوم الإعلام بدور أساسي في تعرية ومحاصرة خطاب الكراهية في إطار الحرص على الوحدة الوطنية وإعلاء قيم تماسك البلاد، ولإستفادة من قانون دعم الإنتقال الديمقراطي 2020 الصادر من الكونغرس لملاحقة منصات التواصل الإجتماعي تنشر بشكل ممنهج خطابات الكراهية و العنف.
  • في شأن الخطوات العملية المقترحة لتطوير رؤية مشتركة للإنتقال الديمقراطي: أمنّ المشاركون أن من واقع تشخيص الأزمة الذي تجلى من خلال العصف الذهني أن الغاية الكلية المنشودة لمعالجة هذه الأزمة الوطنية المستفحلة هي بناء دولة مدنية ديمقراطية اساسها المواطنة المتساوية و صيانة الكرامة و ضمان الحريات العامة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.