نية مبيَّتة لفرتكة الجيش!!!

0 100

كتب: البراق النذير 

.

بالإعلان الدستوري الذي تبنَّته اليوم بعض القوى، بات في حكم المؤكد أن هناك جهات لديها نية مبيَّتة لفرتكة القوات المسلحة السودانية.

خلافنا مع القوات المسلحة واضح، وهو يتمثل في نكوص قياداتها عن التزاماتها في حماية الديمقراطية، بل والتورط في إجهاضها في أكثر من مناسبة، هذا بالإضافة إلى توجيه سلاحها وسلاح حلفائها المسلحين لصدور المواطنين السودانيين في مناطق النزاع لعقود خاصة خلال حرب دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وكذلك في المدن كما في السنوات الأخيرة، والسماح للمليشيات والمجموعات المسلحة بالوجود والانتشار العسكري والتمدد السياسي والاقتصادي.

خلافنا مع القوات المسلحة هو خلاف مبدئي على دخولها في العمل السياسي والنشاطات الاقتصادية والاستثمار، والتعامل مع خدمات عمومية كخدمات خاصة، وتمييز منسوبيها عن سائر المواطنين بشكل ينافي مفهوم المواطنة المتساوية. هذه هي أسباب خلافنا مع أسباب أخرى، والخطأ الذي تم في ٢٠١٩ والقبول بمشاركتهم الحكم لا يجب أن يعالج بخطأ أكبر.

أذكر أنني كنت من ضمن المعترضين على وثيقة الفجر الجديد التي أوردت مصطلحات غامضة فيما يتعلق بالقوات المسلحة! وقد كان اعتراضي وآخرين بالرغم من وجودنا في صف المقاومة، قائماً على أن الحل لا يكمن في تدبيج الوثائق بعبارات غامضة تؤدي إلى اختلاف في فهمها يذهب بنا للشيطان في مكمنه، بل في إيراد تفصيلي للمشروع المطلوب لمعالجة الأزمات خاصة عند الإشارة إلى مؤسسات مثل القوات المسلحة.

إن إصلاح المنظومة العسكرية والأمنية يجب أن يشمل تغيير عقيدة بعض كبار الضباط التي تتمثل في الإصرار على تواجدهم في السلطة التنفيذية بتدبير الانقلابات أو بمراوغة القوى المدنية ومنازعتها في السلطة بلا مسوِّغ سوى منطق امتلاك القوة والسلاح. وهي عقيدة تفارق واجباتها بل وتنتهك عقيدتها الأساسية المتمثلة في حماية الحدود والدفاع عن حمى الوطن من أي هجوم خارجي.

اليوم وبتبني قوى سياسية في مواثيقها لمقولات مثل دمج جميع الجيوش في جيش واحد (الإعلان السياسي للتوافق حول الترتيبات الدستورية الفقرة 8-3)، دون فصل واضح بين الجيوش المُشار إليها في النص وبين القوات المسلحة السودانية، يعتبر نية واضحة لإذابة القوات المسلحة في جيوش ومليشيات غير مدرَّبة وبلا عقيدة قتالية واضحة!

القوات المسلحة السودانية لديها نظم عمل ومراكز للتدريب والتأهيل، والترقي فيها في الظروف العادية يخضع لمعايير صارمة، وهو الأمر الذي حاولت تكسيره الجبهة القومية الإسلامية طيلة ثلاثين سنة من الحكم بتصعيد كوادرها بناء على الولاء التنظيمي، وبإنشاء مليشيات وقوات مسلحة خارج رحم المؤسسة العسكرية الرسمية، وهو ما ولّد غبناً بين أبناء المؤسسة العسكرية النظامية وساهم في إذكاء الرغبة من بعضهم للالتحاق الحزبي بالإسلاميين للحصول على بعض الامتيازات التي يجدها نظراؤهم من المنظمين حزبياً، علاوة على إضعافها بإبعاد الكوادر المدرَّبة والاستعاضة عنها بكوادر أقل تأهيلاً وتدريباً بناء على الثقة الحزبية والقرب من العقيدة الجهادية عوضاً عن العقيدة الوطنية!

لقد اطَّلعت على مذكرة كونفدرالية منظمات المجتمع المدني السوداني الخاصة بالتعامل مع أزمة تعدد الجيوش، وهي مذكرة جديرة بالنظر من قبل القوى الوطنية بحق، فهي تفصل بشكل واضح بين إصلاح القطاع العسكري والأمني، والمطالب المشروعة لابتدار عمليات الدمج والتسريح ونزع السلاح عن المليشيات وقوات الحركات المسلحة وخاصة قوات الدعم السريع الموجودة بقانون معيب!

القوات المسلحة السودانية مجابهة بخطر عظيم، وهذا الخطر يتجاوز خطر دخولها في المعترك السياسي الذي أؤمن بأن الشعب السوداني قادر على إخراجها منه بالعمل المقاوم السلمي المشروع والمنظم. هذا الخطر يتمثل اليوم في إمكانية اختطاف الدولة السودانية من قبل المليشيات والقوى المسلحة خارج القوات المسلحة المعلومة، وعلى من كتبوا الإعلان المُشار إليه أعلاه تدارك هذا الخطر إن كانوا غير مدركين لخطورته أو إن كان بعضهم لا يقصد ذلك!

على القوى السياسية والمدنية والأحزاب كافة ولجان المقاومة والحركة المطلبية أن تنظر لهذا الخطر بجدية، وعلى الضباط الشرفاء الوطنيين داخل القوات المسلحة أن تقاوم توجهات قيادتها التي تتعامل مع هذا الخطر بمنظور تكتيكي ترجو من وراءه الكسب السياسي والاستمرار في الحكم على حساب استقرار الدولة واحتمال انهيارها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.