تقلبات الغرب وتوترات العالم

0 66

كتب: د. عمرو حمزاوي

.

خلال العقود الثلاثة الماضية، رتبت بيئة المخاطر وظواهر العنف والتطرف والإرهاب المحيطة بالمجتمعات الغربية صعود حركات وأحزاب اليمين الشعبوي والسياسيين المنتمين إليها في الولايات المتحدة وأوروبا.
فمن جهة، تشترك أحزاب اليمين المتطرف في إطلاقها للاتهامات بالجمود والفساد والابتعاد عن الناخبين في اتجاه أحزاب اليمين واليسار التقليدية. ويعبر اليمينيون المتطرفون هنا، وكما تدلل استطلاعات الرأي العام في الغرب، عن انطباعات سائدة بين قطاعات شعبية واسعة لم تعد تتحمل إن جمود برامج أحزاب يمين ويسار الوسط في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ورفضهم للتغيير أو فضائح الفساد المتكررة التي ضربت النخب السياسية التقليدية الإيطالية.
يوظف اليمين المتطرف اتهاماته للأحزاب التقليدية لكي يجتذب تأييد ناخبين بين الطبقات العاملة والفئات محدودة الدخل والتعليم من البيض سئموا رؤية ذات الوجوه في مقاعد الحكم والمعارضة ويبحثون عن وجوه جديدة تتحدث بلغتهم وتستخدم مفرداتهم عند المطالبة بإيقاف تدفق الأجانب واللاجئين أو الحد من تدخل الحكومات في السياسات الاقتصادية والمالية وسياسات العمل. هكذا جاء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بين 2016 و2020. يكتسب اليمينيون المتطرفون طابعهم الشعبوي من خلال انتقاداتهم المستمرة (بل وعدائهم الصريح) للنخب ويبدون بمظهر السياسيين والبرلمانيين القريبين من هموم ومطالب العمال ومحدودي الدخل من «السكان الأصليين».
من جهة ثانية، تتشابه أحزاب اليمين المتطرف في تبنيها لخطاب سياسي يوظف المقولات القومية لصياغة رفض صريح لوجود الأجانب واللاجئين من غير البيض. العنصريون الأمريكيون، الوطنيون الإيطاليون، القوميون الألمان، الديمقراطيون السويديون، الجبهة الوطنية الفرنسية؛ بمسميات كهذه يتقرب اليمين المتطرف من المشاعر الوطنية للبيض الخائفين على ضياع «الهوية الأصلية» للمجتمعات الغربية ويستخدم خوفهم لاجتذاب التأييد لبرامج سياسية تدعو إلى إغلاق أبواب بلادهم في وجه الأجانب واللاجئين.
بإغلاق أبواب الغرب في وجه الأجانب واللاجئين وبإغلاق أبواب مجتمعاته على قومياتها البيضاء «الأصلية»، يسجل اليمين المتطرف خروجه على توافق الأحزاب التقليدية في اليمين واليسار الرافض لعزل الغرب عن العالم.

يوظف اليمين المتطرف اتهاماته للأحزاب التقليدية لكي يجتذب تأييد ناخبين بين الطبقات العاملة والفئات محدودة الدخل والتعليم من البيض سئموا رؤية ذات الوجوه في مقاعد الحكم والمعارضة ويبحثون عن وجوه جديدة تتحدث بلغتهم

من جهة ثالثة، تظهر استطلاعات الرأي العام وكذلك دراسات تفضيلات الناخبين وسلوكهم التصويتي أن القواعد الناخبة لليمين المتطرف في الغرب لم تعد ترى لا السياسة ولا المؤسسات الديمقراطية كمجال للصراع السلمي بين اليمين واليسار حول قضايا مثل النظم الضريبية وسياسات العمل والأجور وإعانات البطالة والعجز والرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية.
جل ما يراه ناخبو اليمين المتطرف في السياسة هو صراع ثقافي بين دعاة فتح أبواب الغرب للأجانب واللاجئين وبين المطالبين بإغلاق الأبواب، بين دعاة تبني قيم عصرية تحض على الحرية والمساواة وقبول الآخر وبين الباحثين عن إنقاذ ما يرونه الهوية الأصلية والمتمسكين بفهم تقليدي للقيم الدينية المسيحية يرفض على سبيل المثال زواج المثليين، صراع ثقافي بين دعاة الانصهار في مجتمعات غربية تذوب بها القوميات واللغات ويتضامن بها الأغنياء مع الفقراء وبين القوميين المدافعين عن المشاعر الوطنية والمطالبين بالحفاظ على النقاء العرقي للبيض في الغرب. تفسر حقيقة أن ناخبي اليمين المتطرف يرون السياسة كمجال لصراع ثقافي يؤيدون به من يرفع لافتات إغلاق الأبواب والدفاع عن النقاء العرقي والهوية الأصلية للمجتمعات الغربية، تفسر هذه الحقيقة محدودية اهتمام ناخبي اليمين المتطرف بالبرامج السياسية للحركات والأحزاب التي تمثلهم كحركة ترامب داخل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة وكالجبهة الوطنية الفرنسية وحزب البديل لألمانيا وحزب ديمقراطيي السويد والأحزاب اليمينية في إيطاليا.
فالتورط في الصراع الثقافي لا يستدعي صياغة برامج سياسات محددة بشأن الضرائب وسوق العمل والرعاية الاجتماعية، ولا يستلزم التميز في الأطروحات الانتخابية عن المقولات البسيطة التي يتداولها الناس حول وجود الأجانب واللاجئين. المطلوب فقط هو رفع اللافتات المناسبة والقرع المستمر لطبول جمود وفساد النخب التقليدية، والخوف من الغرباء على الهويات الأصلية والقيم التقليدية.
وعلى هوامش اليمين الشعبوي، تتزايد جرائم مجموعات العنف والتطرف والإرهاب من العنصريين وكارهي الأجانب في الولايات المتحدة وأوروبا. لا تختلف، إذا، الملامح العامة للمشهد السياسي الأمريكي عن ملامح المشهد الأوروبي. فصعود اليمين المتطرف بشعارات عنصرية وشعبوية وبخطاب كراهية ضد الأجانب ومواقف رافضة للهجرة واللجوء يجمع كل مجتمعات الغرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.