إنطباعات حول مشروع الدستور الانتقالي
كتب: آدم أجـــــــــرى
.
صياغة أية معاهدة؛ ليست بقدر صعوبة إتفاق أطرافها علي إدارة العمل المشترك الذي تمثله الوثيقة، الدستور الذي يتطلع إليه الجميع؛ هو ذلك الذي يشعر معه كل مواطن انه نابع منه؛ هو أصيل فيه لا ملحقاً ولا إستثناءاً. هذه الوثيقة المنسوبة للمحامين، يمكن وصفها بالمترددة فى التعبير القضايا المصيرية والمستسلمة لتحفظات اليمين وتهديداته. تتبنى مانشيستات براقة؛ تتراجع عنها في التفاصيل، تؤمن بفصل الدين عن السياسة وتغض الطرف عن قيام الإستثمارات السياسية الدينية المتمثلة في الأحزاب العقائدية. فهمها لثورة ديسمبر 2018م مقتصر علي الحراك الإجتماعي الذي نشأ معها دون الإشارة لجذورها الممتدة. إعتبرت بما وصفته بدروس الحركة الوطنية ونضالات الشعب السودانى؛ إقتصرها على ثورتي أكتوبر وأبريل والفترة الإنتقالية الحالية. تفادى الإشارة إلي تجربة الصراع المرير منذ إنطلاق ثورة 16 مايو 1985م حتي إتفاقية نيفاشا 2005م، وتأثيراتها الهائلة علي بنية الدولة السودانية، فضلاً عن أزمة 6/6/2011 التي أعادت صياغة المشهد بتجديد الثورة تحت شعار: الشعب يريد إسقاط النظام وغيب المجهودات الفكرية المبذولة لأجل القضايا السودانية من مدرسة السودان الجديد. بذلك يمكننا وصف الديباجة الطويلة لهذه المسودة؛ بالإنتقائية في إختيار التجارب.
فى عمق آخر؛ عند إقرار المسودة بِمعاناةِ الشعبِ السودانيِّ، خصت بالذكر مناطقِ النزاعِ -دون تحديد- والإشارة تلمح لهذه المناطق؛ أن الدستور كتبه طرف يحاول إلحاقه به إلحاقاً، رغم أن الأصل التعاطي مع هذه النزاعات بثقة قدرته علي توفير الحلول مع حالة الوحدة الوطنية التي سيحققه، كما لا يحق أن تبقي النزاعات سمتة ملازمة لمنطقة ما طوال الفترة الإنتقالية. في طور آخر فتحت الوثيقة الباب لمراجعة إتفاق سلام جوبا، بمشاركة الحركات الموقعة عليها؛ رغم أن أي طرف من أطرافها لا يطالب بذلك، وهذا يفتح باب المواجهة مع أطراف ذلك الإتفاق. حتي يكون الدستور دستوراً وليس مقالاً سياسياً؛ فإن الموقف المنطقي هو مخاطبة الإلتباسات بينه وبين إتفاق جوبا…
فيما يتعلق بالملكية أكدت المسودة حق كل مواطن/ة في الحيازة والتملك، لكنها غضت الطرف عن قاعدة هامة سبق تثبيتها في نيفاشا؛ مفادها أن الأرض ملك الشعوب، وهو تجاوز خطير يغض الطرف عن نزاعات الشعوب السودانية حول الأرض حتي داخل المركز.
طبيعة الدولة وصفتها بالجمهورية الديمقراطية الفيدرالية، تتعدد وتتعايش فيها الثقافات والإثنيات واللغات والمذاهب والأديان، وللمجموعات الإثنية والثقافية الحق في أن تنعم بثقافاتها الخاصة، وتطورها بحرية، وللمنتمين لها؛ لهم الحق في ممارسة معتقداتهم وإستخدام لغاتهم ورعاية أديانهم وأعرافهم. تلقائياً يقتضي هذا الوصف إعتبار تباينات الأوضاع الإجتماعية والقيم لها إلتزاماتها التي ستترجم إلي مساحات أوسع لإدارة الإختلاف، وبما أن هذا الدستور يمثل القانون الأسمى وتسود أحكامه على الدساتير الإقليمية وعلى كل القوانين، ولمنع وقوع الصدام بين الثقافات؛ كان يجب توسعة مظلته كي يكون بمستوي علمانية تونس، وإلا سيكون متناقضاً مع نفسه، والتعايش الذي ينشده لن يتحقق.
في الختام؛ ومع تقديرنا لجهد المجموعة التي أنجزت هذه المسودة؛ نقر بالنجاحات التي حققتها في بنود فرعية كثيرة، أما في الرئيسية؛ يراودنا شعور أنها لم تدرك حقيقة النزاعات التي تثقل الدولة السودانية، ولا تمتلك لها تصوراً محدداً، فإكتفت بمعالجات مؤقتة.