الاحتجاجات وحدها لن تؤدي إلى إسقاط النظام

0 69

كتب: محمد وداعة

.

لا حل إلا عبر مشروع الدولة الوطنية
الاحتجاجات وحدها لن تؤدي إلى إسقاط النظام إلا ربما عبر إسقاط الدولة
إسقاط الدولة طريق محفوف بمخاطر الانزلاق إلى احتراب وصراع يهدد بتفتيت البلاد
البلاد فى أوضاع سياسية متأزمة واقتصاد منهار وانقسام حاد ضرب حتى المؤسسات العسكرية
الوضع الحالي لا يحقق أفضلية للقوى السياسية في معركتها لاستعادة العملية السياسية والحكومة المدنية
الوضع الحالي الذي تعيشه البلاد لا يعود فقط إلى فشل برنامج الحكومة الانتقالية في تنفيذ رؤي مستحيلة سياسياً، وعملياً ولا يوجد لها أساس نظري محكم، وليس فقط لعدم فهم الحاكمين للصراع وتطوره ما بين الفئات السودانية المتصارعة على أسس ثقافية وحضارية فحسب، بل إلى فشل النخبة السودانية في إيجاد مشروع الدولة الوطنية السودانية وعدم قدرة المجتمع على تطوير نفسه نحو التعايش السلمي والإندماج القومي بخصوصياته، في كيان دولة حديثة من خلال الاعتراف بالآخر والاستناد على المواطنة كرابط أصيل للنسيج الاجتماعي ونبذ سياسة التهميش والإقصاء وإنهاء حالة الانقسام الحاد، والفشل في الوصول إلى نظام سياسي مستقر وانتشار الفساد وغياب المساءلة والمحاسبة مع تضارب السياسات الخارجية مع مصلحة البلاد العليا حسب الموجهات والتدخلات الدولية السافرة ومحاولة فرض (بريمر) جديد على السودان لإعادة تشكيل الدولة السودانية والإقليم على أساس نظرية الفوضى الخلاقة.
لم يتغير هذا الوضع منذ الاستقلال فتعاقبت الحكومات العسكرية والمدنية على حكم البلاد، وقام الشعب السودانى بثلاث ثورات (أكتوبر 1964، أبريل 1985م وديسمبر 2019م)، أطاحت بحكومات عسكرية، بينما أطاحت الانقلابات العسكرية بالحكومات الديمقراطية المنتخبة، وإذا كانت الحكومات الانتقالية التي أعقبت أكتوبر وأبريل قد فشلت فى انجاز مهام الانتقال والتحول الديمقراطي، فان حكومة حمدوك الانتقالية تجاوزت الفشل إلى رهن البلاد للتدخل الدولي وتقاطعات أجهزة المخابرات و الإرتماء فى أحضان إسرائيل.

الوضع الحالي أوصل البلاد إلى أوضاع سياسية متأزمة واقتصاد منهار وانقسام حاد ضرب حتى المؤسسة العسكرية، وسلام منقوص أدخل جيوش الحركات المسلحة إلى وسط المدن دون إنفاذ ترتيبات أمنية، مع تمدد دور قوات الدعم السريع على حساب القوات المسلحة وبروز ظاهرة تفشي الفساد واستغلال السلطة وتضارب السياسة الخارجية مع تنامي نفوذ الدولة العميقة ( الإسلاميين) وتأثيرها الكبير على الأوضاع السياسية والاقتصادية.

ووصلت الأوضاع إلى مرحلة تستدعي من كل القوى المؤثرة أن تتشارك في تخطي الأوضاع الحالية بسلاسة وصولاً إلى تغيير في بنية النظام الحاكم يمكن من انتشال البلاد من وهدتها والشروع في برنامج وطني يستهدف بناء الدولة الوطنية التي تحقق السلام والتنمية والوحدة والعدالة الاجتماعية وتحافظ على سيادة البلاد ومصالحها العليا عبر تسوية تاريخية تفضي إلى مصالحة وطنية شاملة. معالجة تقود البلاد إلى سلام عادل ودائم بمواجهة جادة للمظالم ومطالب المناطق المهمشة في الشرق والشمال والغرب والموروثة منذ عهد الاستعمار، ووضع البلاد فى مسار تطور جديد يلبى تطلعات الشعب السوداني، وذلك بمعالجة جذور الأزمة وإنهاء أسباب الحرب وهذا يقتضي الوصول لتسوية تاريخية بمشاركة كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة.
هذا المشروع يمكن الاتفاق عليه عبر مؤتمر دستوري يحدد نظام الحكم وكيفية الاستفادة من الثروة القومية عبر تنمية متوازنة ومستدامة. وينبغى أن يقرر سياسة واضحة تتعلق بالسيادة الوطنية والحفاظ على الأمن القومي للبلاد والإقليم والمساهمة الإيجابية فى الأمن والسلم العالمي.

الوضع الحالي لن يقود إلا إلى إضعاف الجميع، وإهدار الموارد والأرواح وإضاعة الفرص وهو وضع لا يحقق أفضلية للقوى السياسية فى معركتها لاستعادة العملية السياسية والحكومة المدنية، بسبب اختلافات هذه القوى وعدم اتفاقها على برنامج سياسي، كما أن المواكب والاحتجاجات وحدها لن تؤدي إلى إسقاط النظام إلا عبر إسقاط الدولة وهذا طريق محفوف بمخاطر الانزلاق إلى احتراب وصراع يهدد بتفتيت البلاد، لا سيما أن انتشار السلاح المقنن وشبه المقنن لدى جهات عديدة هو جزء من حالة الصراع الحالي.
نواصل..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.