التهديد بانفصال شرق السودان من أدوات إجهاض التسوية
السودان نت ــ وكالآت
تحول إقليم شرق السودان إلى أداة ضاغطة قد تعرقل التحول الديمقراطي في البلاد مع مساعي مجلس نظارات البجا ذي الحضور الفاعل في الإقليم لاستخدام قضاياه العادلة في إحداث ردّة تخدم جهات تعمل على إجهاض وصول المدنيين إلى السلطة، ما يهدد الإقليم بمخاطر حقيقية يمكن أن تترتب عليها نزاعات قبلية وسياسية في ظل حالة مستمرة من الاحتقان منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.
وأعلن مجلس نظارات البجا بشرق السودان عدم اعترافه بسلطات الحكومة المركزية في الخرطوم، وقرر تعيين حكومة مؤقتة لشرق السودان، وتفعيل حق تقرير المصير، ورفض المشاركة في أي تسوية أو حكومة قبل إلغاء مسار الشرق الخاص باتفاق جوبا للسلام.
وأرجع المجلس الخطوة إلى رفض مماطلة الخرطوم في تنفيذ مطالب أبناء الإقليم والإصرار على إقصاء “شعب الشرق” دون أن يوضح التفاصيل التي قادته إلى ذلك في هذا التوقيت، مع أنه حدد من قبل فترة زمنية أقصاها نهاية العام الحالي لاتخاذ خطوات تصعيدية في حال لم تتوصل اللجنة العليا إلى حل قضايا شرق السودان لتدشين منبر منفصل بعيداً عن مسار الشرق.
وينظر سياسيون في السودان إلى المجلس على أنه ذراع قوية لفلول نظام البشير السابق ومكونات عسكرية ليست لديها رغبة في تسليم السلطة للمدنيين.
وما زال موقف النظارات من الحكومة المدنية السابقة التي ترأسها عبدالله حمدوك وإغلاق ميناء بورتسودان والطريق الرابط بين الخرطوم ومدن الشرق والإطاحة بها قبل عام عالقًا في أذهان أبناء الإقليم والسودانيين عموما.
وجاء بيان الانفصال هذه المرة تزامنًا مع إعلان الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد) عن استلام وثيقة من القيادة العسكرية تتضمن تعليقاتها وتعديلاتها على مسودة الوثيقة الدستورية التي أعدتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، وقالت إنها “تعكس تفاهمات أساسية تم التوصل إليها بين العسكريين ومُحاوريهم من قوى الحرية والتغيير”.
وقال القيادي في مؤتمر البجا (الحرية والتغيير) محمد أحمد مختار إن البيان له علاقة مباشرة بالتسوية السياسية في الخرطوم، وأن نظارات البجا على قناعة بأنه تم تهميشها من المشاركة في التسوية والذهاب إليها دون التطرق لمظالم سكان الإقليم وتدشين منبر منفصل لشرق السودان، كما كان مخططاً في السابق.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن بيان نظارات البجا أداة تهديد ولن يجد سبيلاً للتنفيذ على الأرض لأنه لم يكن بالتنسيق مع الجهات الاجتماعية والسياسية الفاعلة في الإقليم، وإذا كان هناك إجماع شعبي على حل مشكلات الإقليم وحصول أبنائه على حقوقهم السياسية أسوة بباقي الأقاليم التي وقعت على اتفاق جوبا، لكن ذلك لا يعني التوافق على ما جاء في بيان المكتب السياسي.
ولم يوقع على مسار الشرق سوى فصيلين من شرق السودان هما مؤتمر البجا المعارض والجبهة الشعبية للسلام والتحرير والعدالة، ونص الاتفاق على تمثيل الفصيلين بنسبة 30 في المئة في السلطة التنفيذية والتشريعية بالإقليم، ولم ينفذ حتى الآن.
وتحدث مؤتمر البجا عن الحكم الذاتي على أساس الأرض والثقافة لأول مرة خلال مؤتمر سنكات المصيري للبجا قبل عامين تقريبًا، واعتبر القرارات الصادرة عن المؤتمر وعلى رأسها إلغاء مسار الشرق “حتمية ولا نكوص عنها حتى إحقاقها أو الموت جهاداً دونها، ومن مات مقاتلاً لأجل حقه فقد مات في سبيل الحق”.
وقد يتحول توالي التهديدات بانفصال الشرق واستخدام حق تقرير المصير إلى واقع مع كثرة تداول التهديدات في توقيتات مختلفة منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر من العام الماضي، وأن انفراط عقد الإقليم ربما يحدث بالفعل على غير رغبة الجيش والجهات المحسوبة على النظام السابق، وأن اللعب بتلك الورقة قد يحرق دولة تعتمد على رئة الشرق المطل على البحر الأحمر.
ويدفع شرق السودان ثمن الانقسامات التي دبت في مجلس نظارات البجا في شهر يونيو الماضي وانقسم على إثرها إلى جزءين، أحدهما أعاد انتخاب محمد الناظر ترك رئيساً له، والآخر اختار إبراهيم أدروب.
ودخل ترك في تحالف سياسي ضمن “الكتلة الديمقراطية” لقوى الحرية والتغيير التي ضمت الحزب الاتحادي الديمقراطي وحركات مسلحة في دارفور، وتبنى موقفًا يدعو إلى تعديل الوثيقة الدستورية لعام 2019، على أن يقوم رئيس الوزراء الجديد بعقد منبر لشرق السودان بعد 30 يوما من تسلم مهامه.
وصدر بيان من التيار الآخر داخل النظارات أكد وجود تنسيقيات ولجان أهلية عديدة قد توظف تقرير المصير ضمن ضغوطها للحصول على مكاسب سياسية، وهو خطر داهم يدفع نحو مزيد من الأزمات التي يتعرض لها إقليم يواجه أخطارا عدة جراء اختراقه من قوى خارجية تتصارع للتواجد على البحر الأحمر وبناء قواعد عسكرية في منطقة لها أهمية جغرافية إستراتيجية.
وأكد المحلل السياسي المتخصص في شؤون شرق السودان أحمد خليل صعوبة النظر بجدية إلى انفصال الشرق عبر إصدار بيانات، وأن القرار إجراء سياسي يغير من شكل السودان والمنطقة بأكملها، ولا بد أن تسبقه خطوات تنفذ على الأرض وليس هناك رغبة أو إمكانية للتوجه نحوها، وعدم وجود حكومة أو سلطة قوية يمكن أن تعاقب على مثل هذه تصريحات تثير البلبلة يجعل تكرارها كل فترة ممكنا.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المكون العسكري اتخذ مجلس نظارات البجا كفزاعة ينطلق منها لتحقيق مكاسب سياسية، وأن هناك قناعة شعبية في الإقليم بذلك، ولا توجد إرادة لحل المشكلة تماما من العسكريين، بحيث يترأس نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) لجنة حل قضية الشرق أو حتى من أبناء نظارات البجا أنفسهم ويبحثون عن مصالحهم الشخصية بعيداً عن مصالح الإقليم.
ويضر تركيز مجلس نظارات البجا على أزمة مسار الشرق فقط بالقضية التي هي بحاجة إلى مؤتمر كبير يتشارك فيه كافة أبناء الإقليم في مناقشة أزماتهم والتوافق حول سبل حلها، بعيداً عن الأهداف الضيقة لبعض القيادات والعُمد الساعين لتقاسم السلطة.