في الذكري 57 لحل الحزب الشيوعي… علي عبد الله يعقوب: ولائي الأول للرسول ولعايشة والإخوان المسلمون تحت حذائي
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
تخيم علينا منذ 15 نوفمبر الذكرى السابعة والخمسون لحل الحزب الشيوعي في 1965. وهو الحل الذي انزلقت به الديمقراطية منزلقاً عصيباً ما زال معنا. فتقررفي البرلمان في 15 نوفمبر حل الحزب الشيوعي في ملابسات ندوة معهد المعلمين (أم درمان) المعروفة تطرق فيها شيوعي من الحزب الشيوعي (القيادة الثورية) لحادثة الإفك بابتذال. ولما كان الحل يستدعي تعديل المادة الخامسة من الدستور، التي تؤمن حرية التعبير والتنظيم، فجرى تعديلها في الجمعية التأسيسة لتجيزها في 7 ديسمبر. وجاء التعديل بنص صريح حول حظر الشيوعية في السودان. ولما فوجئ المُعدلون بأنه سيكون وسطهم 9 نواب شيوعيين منتخبين ما زالوا قرروا طردهم وفق المادة الخامسة المعدلة نفسها على بينة أن وجودهم مخالف للمادة التي حظرت الشيوعية نفسها. وقد كان الطرد.
كان ذلك كله بقيادة إسماعيل الأزهري الرئيس الدائم لمجلس السيادة. وكان حصل على المنصب نفسه جراء تعديل دستوري تكون به رئاسة المجلس دائمة في شخصه حصرياً بدلاً عن أن تكون دورية كما كان العرف. وكان ذلك التعديل ضمن صفقة ائتلاف حزب الأمة والاتحادي في الحكم. وسنتطرق لصراع أزهري مع المحاكم التي قضت بغير ما أراد وتبخيسه لها في موضع آخر.
كان أزهري عصراً غير جميل.
سأبدأ هذه الحلقات عن حل حزبنا برواية عنه بلسان المرحوم على عبد الله يعقوب، المعهدي (المعهد العلمي) الأزهري (الجامع الأزهر) القيادي بجبهة الميثاق الإسلامي (الإخوان المسلمين) ورئيس اتحاد شبابها الوطني، الذي حلنا وحده. أسعفني الأستاذ غسان عثمان، مقدم برنامج “الوراق” الذكي على فضائية س 24 بنص المقابلة التي كان أجراها مع يعقوب لمجلة الخرطوم الجديدة في يوليو 2008
وأريد من هذا اللفت لدور يعقوب، غير الغردوني، في حل حزبنا أن يقف الإسلاميون على خيانتهم لحداثتهم، ونضالهم للديمقراطية، ودورهم في ثورة أكتوبر لاستعادتها لاتباعهم يعقوب المعدود في أدبهم من “المحافظين” الذين يشدون حركتهم إلى الوراء. وهي حداثة لطالما تباهى بها المرحوم حسن الترابي حتى قال إنه ليس بيننا شيخاً مرشدا كالحال في مصر بل كنا شباباً نددة.
وسترى أن يعقوب أنشأ لدعواه لحل الحزب الشيوعي منظمة موازية للإخوان المسلمين في جبهة ميثاقهم. وكان ذلك من فرط ولاؤه ل”الرسول ولعائشة”، كما قال، قبل الإخوان المسلمبن. وغير خاف أنه جاء برفاقه في الحركة الإسلامية مجرورين من كرفتاتهم، أو دقونهم الدائرة، إلى حملة حله حزب الشيوعيين. وكانت منعتهم من الاستجابة لها لأول وهلة ذلك ترعرعهم في كنف الحداثة.
لقد سارع الإخوان المسلمون بصورة فطيرة، بعد استثارة يعقوب للأمر، بوهج الجماهيرية الرخيصة إلى خصومة مع الديمقراطية نشبت أظافرها فيهم منذها إلى تاريخنا. فاستدبروا التاريخ سدنة وفلولاً “مديوسين” من لدن يعقوب إلى يوم المسلمين هذا، وإلى يوم الدين.
إلى لقاء يعقوب بغسان
غسان: وماذا عن حادثة معهد المعلمين الشهيرة، ودورك في حل الحزب الشيوعي؟
يعقوب: كانت زوجتي طالبة بمعهد المعلمين، وكنت أعمل بجامعة الأحفاد معلماً للغة العربية. وعرجت لأخذها إلى البيت. وعند حضوري وجدتُ الإخوان متجمعين ومتوترين، وقالوا لي إن أحد الطلاب الشيوعين تحدث عن السيدة عائشة بالسوء، وذلك أثناء محاضرة قدمتها سعاد الفاتح عن «شيوعية النساء». فتقدّم أحد الطلاب وقال إن شيوعية النساء موجودة في بيت الرسول مشيراً إلى حادثة الإفك. فغضبت جداً. وقلت إن هذا الطالب دمه هدر، ويقتل فوراً، ولا بد من حل الحزب الشيوعي.
فذهبتُ وزوجتي فوراً إلى الخرطوم ومعي طالب من المعهد لأقابل الطلاب من الإخوان، ولأقابل الإخوة في صحيفة (الميثاق الإسلامي)، وكان المسؤول عن الطلاب حينها عبد الله حسن أحمد، فأطْلَعْتُه على الأمر، وطلبتُ منه أن يُخرج الطلاب في مظاهرة ضد الحزب الشيوعي. فتعلل بأن الحادث طبيعي ولا يحتاج إلى الإدانة. وبعد أن أعيتني الحيلة قلت له: إن لي ولاين، الأول لله ورسوله والسيدة عائشة والثاني للإخوان المسلمين. ولو تعارض الأخير مع الأول فإن الإخوان المسلمين تحت حذائي.
فبكى الرجل ومنه ذهبتُ إلى دار صحيفة “الميثاق الإسلامي”، فوجدتُ يس عمر الإمام. وطلبتُ منه أن ينشر خبراً في الجريدة عن الحادثة. فأحالني إلى عبد الرحيم حمدي رئيس تحرير الصحيفة. ولكنه رفض الأمرورأى فيه حادثاً عابراً. فزاد غضبي. ولم أشأ أن أذهب إلى الترابي. فذهبت إلى دار الأرقم لتحفيظ القرآن بالعباسية أم درمان وقلت لهم إن القرآن انتهى فالشيوعيون داسوه بأرجلهم. فغضبوا غضباً شديداً. وخرج معي قارئ هو أستاذ شريعة بالجامعة. وفوراً كونّا “جماعة الدفاع عن العقيدة ومحاربة الإلحاد” وصرتُ رئيساً لها.
وفي الصباح ذهبت لطلاب المعهد العلمي وخطبتُ فيهم وحرضتهم على الخروج في مظاهرة للتنديد بالحادثة. فخرج معي أربعة من الطلاب. وذهبنا كلنا إلى البرلمان نطالب بحل الحزب الشيوعي.، وذهبت إلى الإخوان المسلمين وأخذتهم معي بعد أن رفض بعض أعضاء جبهة الميثاق التنديد بالحادث. قمنا بتوزيع منشور. وحدث لأول مرة أن خرج أساتذة المعهد العلمي في مظاهرة. خرجنا دون إذن من الحكومة. وللتاريخ فإن السيد أحمد المهدي قد لعب دوراً خطيراً في حل الحزب الشيوعي السوداني. فحينها كان وزيراً للداخلية. وأذاع بياناً على الشعب قال فيه: “إن مظاهرة خرجت ردّاً على قول أحد المارقين الذي سبّ عرض الرسول”. فخرجت الجماهير كلها إلى الشارع وحاصرت البرلمان. وكان هتافنا قوياً ومدوياً: “عز الدين عدو الدين، عبد الخالق عدو الخالق”. وجاء الترابي وخطب في الجموع. فخاف الشيوعيون جداً وقد كانوا أغلبية. فأخرجنا بياناً نطالب فيه بتعديل الدستور. وطلب د. مبارك شداد بحل الحزب الشيوعي وإغلاق دُوره وصحفه.
ولم ينتهِ الأمر بالنسبة لي بعد. فماذا سيكون مصير النواب؟ فدعوت لندوة في دار الطلاب، تحدث فيها الترابي وعبد الماجد أبو حسبو. وسألتهم؛ كيف يُحَلّ الحزب وتُغلق دُوره ويظل نوابه يشرعون للأمة؟ فردّوا علي بضرورة تعديل الدستور. فخرجنا في مظاهرة ثانية إلى منزل الزعيم الأزهري. وطلبنا منه أن يخاطب النواب. وكانت له خلافاته مع الشيوعيين. فقال للجميع: “أقرر طرد النواب الشيوعين من البرلمان”. ووقتها كان الحزب الشيوعي أقوى حزب في إفريقيا.
علي عبد الله يعقوب: مع اختلافي البين معه تمنيت عشرة من نوعه في جبهة التقدم ممن يحملون مسألتهم إلى غايتها خايضين حتى وحل حركتهم حتى تنجر معهم. رحمه الله وغفر له.
.