فلنعزز الاستقلال باستكمال مهام الثورة

0 66

كتب: تاج السر عثمان بابو

.

1. مضت 67 عاما لإعلان استقلال السودان من داخل البرلمان ، عندما أتخذ البرلمان في جلسته رقم “43 ”  يوم الأثنين 19 ديسمبر 1955م قرارا بالاجماع نص علي إعلان الاستقلال ، تزامن إعلان الاستقلال مع  الذكرى الرابعة لثورة ديسمبر التي جاءت لتعزز الاستقلال والسيادة الوطنية والعدالة والديمقراطية التي مازالت مستمرة رغم انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد المرتهن للمحاور الاقليمية والعالمية الهادفة لنهب ثروات وموانئ البلاد ، وانقلاب 25 أكتوبر الذي مازالت المقاومة مستمرة لاسقاطه ، رغم الاتفاق الإطاري الذي يحاول عبثا إطالة عمره ، مما يتطلب تعزيز الاستقلال باستكمال مهام الثورة ، ومواصلة النضال لتعزيز الاستقلال والسيادة الوطنية باسقاط انقلاب 25 أكتوبر الذي فرط في السيادة الوطنية واستقلال البلاد.

  جاء الاستقلال نتاجا لتراكم نضالي طويل خاضه الشعب السوداني  منذ هزيمة الدولة المهدية، وإعلان دولة الحكم الثنائي الانجليزي – المصري عام 1898م  ، بدأت مقاومة الشعب السوداني بانتفاضات القبائل في جنوب السودان وجبال النوبة ، والانتفاضات الدينية في أواسط وشرق وغرب السودان والتي كانت مستمرة في السنوات الأولى للحكم الثنائي ، وبعد الحرب العالمية الأولى وحتى عام 1926م حيث تم إخضاع آخر القبائل الجنوبية المتمردة (التبوسا) ، وعام 1929م عندما تم قمع المعارضة نهائيا بقمع الليرى في جبال النوبة ، وقبل ذلك كان إخضاع دار فور بهزيمة السلطان على دينار عام  1916م .

2 . بعد ذلك ظهرت أشكال وأساليب جديدة  للكفاح ضد الاستعمارمثل : قيام الجمعيات والاتحادات السرية “الاتحاد السوداني ، اللواء الأبيض” ، وتأسيس الأندية الاجتماعية  “أندية الخريجين  وأندية العمال والثقافية والرياضية”، ظهرت أساليب نضالية جديدة مثل : المنشورات والكتابة في الصحف والخطب في المساجد  وانتفاضات وتمرد الجنود السودانيين “تمرد الأورطة السودانية 1900م ، مقاومة العسكريين المسلحة في 1924م”. حتى انفجار ثورة 1924م ، والجمعيات الأدبية والثقافية التي تكونت بعد هزيمة ثورة 1924م “جمعية أبى روف وجمعية الفجر” وظهور مجلتا “النهضة السودانية”و”الفجر”. اضرابات العمال من أجل تحسين الأجور وشروط الخدمة ، اضراب طلاب كلية غردون 1931م ، تكوين مؤتمر الخريجين عام 1938م ، ومذكرته الشهيرة عام 1942م التي طالبت بتقرير المصير ، تكوين الأحزاب بعد الحرب العالمية الثانية ، انتزاع الطبقة العاملة لتنظيمها النقابي “هيئة شؤون العمال عام 1947م ، وقانون النقابات لعام 1948م الذي قامت علي أساسه النقابات وتم تكوين اتحادات العمال والمزارعين والطلاب والشباب والنساء والمعلمين والموظفين التي لعبت دورا كبيرا في معركة الاستقلال، ظهور الصحافة التي لعبت دورا كبيرا في الوعي ، وحركة الدفاع عن الحريات والسلام.

3 . كما قاومت الحركة الوطنية والجماهيرية محاولات الاستعمار لامتصاص المد الجماهيري باحداث اصلاحات دستورية وتغييرات شكلية تبقي علي جوهر النظام الاستعماري والسلطات المطلقة للحاكم العام مثل : المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1943م ، والجمعية التشريعية عام 1948م ، ومحاولات تكوين “لجان العمل” في الورش لتفتيت وحدة العمال في السكة الحديد التي رفضها العمال وطرحوا البديل عنها “النقابة” التي توحد العمال والفنيين.

  هذا التراكم النضالي أدي في النهاية لتوقيع اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953م التي كانت نتاجا لنضال الشعب السوداني ونتج عنها تكوين أول برلمان سوداني في نهاية عام 1953م مما فتح الطريق لتوسيع النضال الجماهيري من أجل إلغاء القوانين المقيدة للحريات مثل : قانون النشاط الهدام الذي تم إلغائه في جلسة مجلس النواب المنعقدة مساء الثلاثاء 30 /3/ 1954م ، والتمسك بوحدة البلاد والتنمية المتوازنة ،، وتوسيع التعليم وزيادة ميزانيته ، وتمّ تكوين الجبهة الاستقلالية من مندوبي حزب الأمة والحزب الجمهوري الاشتراكي والجبهة المعادية للاستعمار وشخصيات مستقلة وعمالية والتي اتفقت علي الاستقلال التام ، وكفالة الحريات وعدم ربط البلاد بالأحلاف العسكرية ومعونات الدول التي تؤثر علي سيادتنا. تواصل النضال حتي كانت الجلسة التاريخية التي أعلن فيها الاستقلال من داخل البرلمان.

4 . بعد الاستقلال كانت القضية الأساسية استكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي ، والحفاظ علي السيادة الوطنية ، وترسيخ الديمقراطية والتعددية السياسية ومعالجة مشاكل الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية وانجاز التنمية المتوازنة في كل أنحاء البلاد وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق أواللون أوالعقيدة  أوالفكر السياسي أوالفلسفي، ولكن ذلك لم يتم ودخلت البلاد في حلقة جهنمية من انقلابات عسكرية وأنظمة ديكتاتورية شمولية أخذت حوالي57 عاما من عمر الاستقلال البالغ67  عاما ، وأسهمت تلك الأنظمة العسكرية في تكريس قهر الجنوب والمناطق المهمشة ، والتنمية غير المتوازنة ومصادرة الديمقراطية والحقوق الأساسية ، وتكريس التنمية الرأسمالية والفوارق الطبقية والتبعية للدول الغربية حتي بلغت ديون السودان حاليا حوالي 60  مليار دولار .

 وصل التدهور الي ذروته في ظل نظام الحكم الفاشي باسم الدين بعد انقلاب 30 يونيو 1989م ، الذي قام به تنظيم الجبهة الإسلامية بقيادة د. الترابي ، والذي قطع الطريق أمام الحل السلمي الديمقراطي بعد مبادرة الميرغني – قرنق ، وأشعلها حربا دينية بين أبناء الوطن الواحد والتي امتدت من الجنوب لتشمل : دارفور والشرق وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبا ، وتركت جروحا غائرة لن تندمل بسهولة ، كما دمرالنظام كل المؤسسات القومية التي كانت ترمز لوحدة السودان مثل : الخدمة المدنية والقوات النظامية ونظام التعليم الذي كان قوميا في مناهجه ونظمه ، وخصخصة وتدمير المؤسسات العريقة التي بناها الشعب السوداني بعرقه مثل : السكة الحديد ومشروع الجزيرة والخطوط الجوية السودانية والنقل الميكانيكي والنقل النهري ، والمؤسسات الإنتاجية الصناعية وبقية المشاريع الزراعية ، إضافة لخصخصة الخدمات الصحية والتعليم ، والثراء علي حساب الدولة وممتلكاتها التي تم بيعها بأثمان بخسة أدت للمزيد من إثراء الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية التي دمرت كل المؤسسات الإنتاجية الصناعية والزراعية ، وباعت أراضي السودان الزراعية أو تأجيرها لسنوات تصل إلي 99 عاما ، وربطت البلاد بالأحلاف العسكرية والمشاركة في  محرقة حرب اليمن ، إضافة لتشريد الالاف من الكفاءات من أعمالهم لأسباب سياسية ونقابية ، واعتقال وتعذيب الالاف من المعارضين في “بيوت الاشباح”، وتعميق التهميش الديني واللغوي والثقافي وتفتيت النسيج الاجتماعي والحزبي وتعميق العنصرية والقبلية ، وفقدان السودان لأجزاء منه بالاحتلال أو الإيجار “حلايب ، شلاتين ، الفشقة، سواكن .. الخ” ودمج النقابات والمؤسسات النيابية في جهاز الدولة ، والعداء للديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية حتي النخاع ، وتزوير الانتخابات النقابية والعامة . ونقض العهود والمواثيق وعدم الإيفاء بمتطلبات الاتفاقات التي أبرمها مع الأحزاب والحركات المسلحة مما أدي لفصل الجنوب وتوسيع دائرة الحرب ومعاناة شعب السودان التي وصلت علي ما هي عليه الآن حيث فقدت البلاد السيادة الوطنية وانعدمت أبسط مقومات الحياة جراء الارتفاع المستمر في الأسعار والتضخم وصفوف الوقود والخبز والصرافات ، وفشل النظام في تقديم أبسط الحلول لمشاكل الناس ، بحيث أصبح لا يفيد التسوية علي أساس “الهبوط الناعم ” والحلول الجزئية التي تعيد معاناة شعبنا ، ولا بديل غير ذهاب النظام وتصفيته.

5 . استمرت المقاومة لنظام الانقاذ حتى تم اسقاط راس النظام في ثورة ديسمبر ، وما زالت الثورة مستمرة ضد انقلاب 25 أكتوبر الذي هو امتداد لانقلاب 11 أبريل 2019م الذي قطع الطريق أمام الثورة ، وانقلاب مجزرة فض الاعتصام ، والانقلاب على الوثيقة الدستورية ، وتبقي ضرورة قيام أوسع تحالف لقوى التغيير الجذري والرافضة للتسوية ، لتعزيز الاستقلال واستكمال مهام الثورة من أجل:

   – اسقاط الانقلاب وقيام كامل الحكم المدني الديمقراطي ، عودة الجيش للثكنات وحل مليشيات الدعم السريع والكيزان وجيوش الحركات وجمع السلاح وقيام الجيش القومي المهني الموحد  وعودة شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع لولاية وزارة المالية.

 – استعادة الديمقراطية ، الغاء كل القوانين المقيدة للحريات ، واصدار القانون الديمقراطي للنقابات الذي يؤكد وحدة وديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية ، واستقلال القضاء وحكم القانون ، وعودة المفصولين العسكريين والمدنيين ، وتحقيق قومية ومهنية الخدمة المدنية والعسكرية .

– تحقيق السيادة الوطنية ،  وعودة اراضي السودان المحتلة (حلايب ، شلاتين ابورماد ، الفشقة . الخ ) ، إعادة النظر في كل اتفاقات الأراضي والتعدين والموانئ الضارة بالوطن وسيادته .

– تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ، وتركيز الأسعار بدعم السلع لأساسية والدواء ومجانية التعليم والصحة ، وتنفيذ توصيات المؤتمر الاقتصادي السابق .

– الغاء اتفاق جوبا والحل الشامل لقضايا البلاد وقيام المؤتمر الدستوري والدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع.

 – تفكيك التمكين واستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة ، قيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم لمصلحة شعب السودان بعيدا عن الأحلاف العسكرية والمحاور الإقليمية .

– عدم الافلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم ضد الانسانية والاباد الجماعية وفي حق الوطن ، وتسايم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية.

 وغير ذلك من مهام الفترة الانتقالية التي يجب الا تقل عن اربع سنوات  تقوم في نهايتها انتخابات حرة نزيهة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.