السنابل مرة أخرى!

0 85
كتب: فايز السليك
.
علمتني تجربة عملي الصحفي أن نقد القوى السياسية ” الصديقة” ليس نزهة، وأن نقد القوى التي نطلق عليها ” ديموقراطية” رحلة محفوفة بالمخاطر، وتشبه السير وسط حقلٍ ألغام؛ وعند البعض دخول في ” عش الدبابير” إلا أن الكتابة عن حزب المؤتمر السوداني، حسب تجربتي الشخصية مسألة مختلفة.قبل يومين كتبت مقالاً على حسابي بالفيسبوك بعنوان ” السنابل والزوابع” أشرت فيه إلى خلافات تنظيمية، وسرعان ما جاءت ردود متفاعلة إيجابياً وبكل احترام في ” الخاص” من أصدقاء وقيادات أحترمها لتوضيح بعض الحقائق؛ أو على العام مثل مقال أستاذنا وأخينا الأكبر سيف الدولة أحمد خليل، ومع اختلاف المواقف جاءت كتابة سيف الدولة هادئة، وموضوعية، وتقدم ” حسن النوايا” و الإشارة إلى أنني كتبت (( بلون المشفق على المؤتمر السوداني وتجربته)). شكراً للأستاذ الصديق، سيف، الذي وصفني بأوصاف أتمنى أن تكون متوفرة في كصحافي مهني، يبحث عن الحقيقة، وأتفق معه بأن علاقاتي مع قيادات المؤتمر السوداني، تسمح لي بالتواصل مع أي منهم، وفي أي وقت، للحصول على المعلومة الصحيحة من مصادرها الحقيقية، وبالطبع هي علاقة أعتز بها، وتعود أصولها إلى الانتماء إلى مدرسة ” مؤتمر الطلاب المستقلين” منبعنا الفكري المشترك، ومع أنني لم انضم إلى المؤتمر السوداني حال عدد من أبناء جيلنا من خريجي الحركة المستقلة الذين توزعوا ما بين الحركة الشعبية، والتحالف، أو صاروا خارج الأطر التنظيمية. أتفق مع سيف الدولة؛ في مجمل مقاله، لكن أختلف معه في ذات الوقت في عدة نقاط أولها ، إشارته إلى أن مصدر معلوماتي كان موقع سودان تريبيون، وشخص آخر وصفه بأنه موتور، إضافةً إلى تقليل صديقي سيف الدولة من خطورة وجود أزمة تنظيمية، أو زوابع رعدية. الحقيقة أنني استقيتُ معلوماتي من مصادر أولية حول قرارات تجميد ( ١٧) عضواً وقيادياً وقرار احالتهم للتحقيق، توفرت لدي قبل نشرها في المواقع بوقت ليس بالقصير، وكانت مصادري من داخل حزب المؤتمر السوداني نفسه، إلا أنني لم أنشرها لأنني توقعت، ولا أزال أتوقع أن تعبر مركب الحزب بحر الأزمة بأمان، وأن تهبط طائرته المحلقة هبوطاً ” ناعماَ” ليس بفهم الحديث عن ” العملية السياسية” وانما بفهم الأمان الحقيقي، ودون حدوث أي احتكاك عنيف.أما حول الأزمة؛ فيا صديقي سيف، أظنك تتفق معي أن مسألة إيقاف قيادات، أو تشكيل لجان للتحقيق ليست مسألة صغيرة، بل هي موضوع يستحق التوقف عنده كثيراً غض النظر عن “الطرف المخطئ،” وتعلم صديقي أن انشقاقات الأحزاب تحدث أحياناً ” رأسيا” وليس بالضرورة أن تكون انشقاقات ” أفقية”، إلا أنها في نهاية المطاف، ودون شك تشكل ما طفا على السطح من ” رأس جبل الجليد” ويتبقى الجزء الأكبر من الجليد غارقاً تحت الماء. وليس بالضرورة أن يكون الخلاف ” انشقاقا” بل ربما تكون ” استقالات” أو ” فصلاً ” إلا أنها ستترك ” شرخاً”.تحدثت بعد نشر مقالي مع كوادر من قيادات الحزب كما قلت، ومع أطراف من المجموعة ” الموقوفة” وأكدوا أن الخلاف لا علاقة له بالمواقف السياسية، بل أشاروا جميعهم إلى أن القيادي نور الدين صلاح، يتحدث باستمرار في القنوات الفضائية العربية، داعماً خط الحزب السياسي، ولم يعلن رأياً سلبياً تجاه الخط العام والرؤية السياسية، وجاءت اشاراتي في المقال السابق إلى ” أن البعض يتخوف من ربط الأزمة بالتطورات السياسية” ولم أجزم أن الخلاف كان حول ” العملية السياسية”. أما جرثومة التشظي يا صديقي فهي مستبطنة في ” عقلنا الجمعي” السوداني للأسف، وتعلم أنه على رغم محاولاتنا في مؤتمر الطلاب المستقلين لنقد ممارسات النادي السياسي؛ لكنا لم نكن بمنأىً عن التصدعات مهما بلغت درجاتها من ضعف. أما خارج الحركة المستقلة، فأنظر يا صديقي إلى القوى التي رفعت “شعار السودان الجديد” ولننظر إلى ” الحركة الشعبية” في نسختها الأصلية كيف صدعتها حروب الرفاق في الجنوب في التسعينات، أو بعد إقامة دولتهم، و كيف استمرت العادة السودانية القبيحة مع الحركة في شمال السودان، التي انقسمت أميبياً إلى ثلاثة خلايا، ولا تزال الأيام حبلى! ما أقصده من الكتابة ليس شماتة، وأعرف أن هناك جهات ستسعى للعبث باي حزب ديموقراطي، وأن هناك شامتين كثر يتمنون للحزب نهاية غير سعيدة، وهم لا يعلمون أن تصدع حزب ولو كانوا مختلفين معه سوف يلقي بظلال سالبة على مرحلة الانتقال والتحول الديموقراطي، وأن النظر للحراك السياسي بطريقة أن كل من هو ليس معي هو ” عدوي” سيدفع ثمنه الجميع، لذلك علينا التمسك بفضيلة النقد، وهو “أفضل وسيلة للبناء عرفها الإنسان” على حد تعبير الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط.لنعتبر ” اختلافات وجهات النظر ” تمارين ديموقرطية، وللحزب سجل جيد في إدارة الخلافات، وأتمنى كما قلت ” اطمئن الاستاذ السليك ان مؤسسية الحزب وديمقراطية الممارسة فيه، لا تجعل من فرض فريق رؤيته على الآخرين ممكنا”. ويبقى الود.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.