السودان.. المرحلة الأخيرة للاتفاق السياسي
كتب: بابكر فيصل
.
انطلقت في الخرطوم يوم الاثنين فعاليات مجموعات العمل المختصة بنقاش الموضوعات الخمسة التي سيتم عبرها إكمال الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بين القوى المدنية والعسكر في الخامس من ديسمبر الماضي والذي يمهد الطريق لخروج الجيش من السياسة في السودان.
وكانت أطراف الاتفاق الإطاري قد اتفقت على إجراء حوار واسع يشمل جميع أصحاب المصلحة والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، من أجل التوافق على قضايا خمس تشمل: الإصلاح الأمني والعسكري، العدالة والعدالة الانتقالية، اتفاق جوبا للسلام، تفكيك نظام ال 30 من يونيو 1989، وقضية شرق السودان.
وقد شهدت فترة ما بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري حملة واسعة ومنظمة من التحركات الساعية لإفشال الاتفاق والتشكيك في جدواه قامت بها القوى المضادة للثورة، وعملت من خلالها علي بث الشائعات حول التدخل الأجنبي في الاتفاق وإقصاء طيف من القوى السياسية فضلاً عن الوعيد بعرقلة الوصول للاتفاق النهائي بمختلف السبل.
لقد أوضح تحالف قوى الحرية والتغيير بجلاء أن الاتفاق تم بإرادة سودانية خالصة، وأن دور المجتمع الإقليمي والدولي اقتصر على التسهيل والدعم والمساندة، وأطلق التحالف تحدياً في وجه فلول النظام للنظر في نصوص الإعلان الدستوري الذي أعدته اللجنة التيسيرية لنقابة المحامين والاتفاق الإطاري واستخراج نص واحد يعضد ادعاءهم بالتدخل الأجنبي أو يوحي بانتقاص السيادة الوطنية والوصاية الخارجية.
كما أشار التحالف إلى أن فرية إقصاء قوى سياسية لا تقوم على ساقين، ذلك أن الاتفاق الإطاري قد شمل الأطراف الحقيقية صاحبة الوجود في الساحة بما في ذلك الطيف الواسع من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وقوى الثورة وأطراف اتفاق السلام المبرم في جوبا فضلاً عن قوى الانتقال التي أعلنت معارضتها للانقلاب العسكري.
وكذلك أقر تحالف الحرية والتغيير بأن بعض مكونات قوى الثورة قد إختطت طريقاً مختلفاً وقررت عدم الانخراط في العملية السياسية باعتبار أنها لن تؤدي لإنهاء الانقلاب، وأكد احترامه الكامل لخيار تلك المكونات ملتزماً بالسعي الدؤوب لتقريب وجهات النظر وعدم الدخول في أي مواجهات معها والسعي لتكامل الأدوار من أجل تقوية وتمتين مواقف الكتلة المدنية العريضة.
وطرأ سؤال حول من يضمن وفاء العسكر بتعهدهم بالخروج التام من السياسة؟ وهو السؤال الذي أجاب عليه التحالف بأن الضامن الأول والأخير هو الشعب السوداني، والجماهير التي صمدت طوال أربعة أعوام من عمر الثورة حتى تحقق شعارها الرئيسي المتمثل في المدنية الكاملة وقيام دولة الحرية والسلام والعدالة.
وجاء تدشين المرحلة الأخيرة الهادفة للوصول للاتفاق السياسي النهائي وسط حضور كثيف من القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري ودول الجوار العربي والإفريقي والمجتمع الدولي، في إشارة واضحة لأنه لا توجد أي مسارات أخرى موازية للعملية السياسية وأن السبيل الوحيد للوصول للحل السياسي يمر عبر بوابة الاتفاق الإطاري بأطرافه المحددة وموضوعاته المعروفة.
وتجري جلسات ورشة تفكيك نظام ال30 من يونيو 1989 من أجل التأكيد على أهمية هذا الموضوع في تمهيد الطريق نحو الوصول للتحول المدني الديمقراطي ذلك أنه لا يمكن عقد الانتخابات العامة في ظل تمكين الحركة الإسلامية وإمساكها بزمام الاقتصاد وجهاز الدولة بمختلف فروعه، ولذا يتوجب إزالة هذه السيطرة قبل الوصول إلى مرحلة الانتخابات.
وتدور نقاشات عميقة في مجموعات العمل من أجل تقييم أداء لجنة التفكيك في الفترة الماضية حتى يتم البناء على الإيجابي منها مع تلافي أوجه القصور التي لازمت عملها بهدف تجويد العمل والتأكيد على أن هدف اللجنة هو استرداد ممتلكات الشعب السوداني المسروقة وإبعاد كل من تولى وظيفة عامة بسبب انتمائه الإسلاموي وليس كفاءته وتأهيله، فضلاً عن محاسبة كل من نهب أموال الشعب بالفساد واستغلال النفوذ.
وعلى ذات المنوال ستُعقد الورش الخاصة بالموضوعات الأربعة الأخرى للخروج بخارطة طريق واضحة لمعالجتها، حيث تتم المناقشات بمشاركة واسعة من أصحاب المصلحة، فهذه الموضوعات تشكل القضايا المهمة في صلب الاتفاق النهائي وذلك بعد أن حسم الاتفاق الإطاري القضية الأكبر المتمثلة في مدنية الدولة والنأي بالجيش عن السياسة.
وفي هذا الخصوص تجدر الإشارة إلى أهمية عامل الوقت، حيث تسعى القوى المضادة للثورة بكافة مكوناتها لعرقلة الوصول للاتفاق النهائي، ولا شك أنها ستعمل على إشعال المزيد من الفتن والصراعات القبلية، وصنع المليشيات العسكرية في مختلف ولايات السودان بهدف زعزعة الأوضاع الأمنية وغير ذلك من الأساليب التي ظلت تمارسها منذ سقوط النظام البائد.
وتبقى المهمة الكبرى التي تنتظر تحالف الحرية والتغيير والقوى المؤيدة للاتفاق السياسي، هي مواصلة المساعي والطرق على جميع الأبواب من أجل توسيع الكتلة المدنية الداعمة للتحول الديمقراطي، والاستمرار في الجلوس مع قوى الثورة الأخرى وعدم الوقوع في فخ تعميق الخلافات داخل معسكر الثورة وهو الأمر الذي يسعى له فلول النظام الساقط.