هل جنى الحزب الشيوعي على الحزب الاتحادي؟

0 56

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

 (نشر زين العابدين صالح عبد الرحمن كتاباً بعنوان “دور الحزب الشيوعي في انشقاقات الحركة الاتحادية، 1947-1985”. وبدا لي أنني انتظرت مثل هذا الكتاب منذ سنوات حين كتبت عن دور الحزب الشيوعي في الإحسان للاتحادي في أول حكومته عام 1954، وشفقته عليه خلال انشقاقه المدوي في 1956 إلى أزهريين وختمية. وفي انتظار قراءة الكتاب أنشر كلمتي القديمة “قيدومة”).

الدكتور نوري الأمين من اوائل من تمني لو ان خطة عوض عبد الرازق هي التي فازت في صراع الشيوعيين عام 1950. فقد كان من رأي عوض ألا يقوم حزب شيوعي مستقل وأن يبقي جناحاً يسارياً في حركة الاتحاديين. فمن رأي نوري أن قيام الحزب الشيوعي المستقل، بحسب خطة استاذنا عبد الخالق محجوب، شكل عائقاً في وجه الاتحاديين جعلهم يتنكبون سواء السبيل مما هو معروف ومشاهد. ونوري حجة في تاريخ الشيوعيين وقد اشدت بعلمه فيه مراراً. ولكن تفسير خيبة الاتحاديين تقتضي معرفة بتاريخ الاتحادي قبل المعرفة بتاريخ الشيوعيين. ومحاولة بشير محمد سعيد لكتابة مثل هذا التاريخ ربما رجحت أن الشيوعيين كانوا ضحايا الاتحاديين لا العكس.

قد يوحي صراع الاتحاديين والشيوعيين بعد ثورة اكتوبر 1964 بما ذهب اليه نوري في نسبة عثرة الاتحاديين لتطاول الشيوعيين. ولكن وجب على المنصف أن ينظر الي علاقة الحزبين قبل ذلك وإبان فترة الحكم الذاتي والاستقلال. وسيجد ان الشيوعيين كانوا حسني الظن بالاتحاديين جداً.

فقبل الشيوعيون حكومة الأزهري بخاطر طيب وظاهروها وعرضوا عليها بتواضع آفاق شتي لتفكيك دولة الاستعمار. فنظموا في 1954 حملة شعبية لإلغاء قوانين منافية للحريات موروثة عن الاستعمار. وهنأوا الحكومة حيت الغت واحداً منها. وتقدم اتحاد العمال واتحاد المزارعين بمذكرات موضوعية عن مطالب جمهورهما عشماً في الاستقلال الذي أملوا منه العيش الكريم. وصبر الاتحادان على اهمال الحكومة واستفزاز المخدمين. واستاءت الحكومة من “تطفل” العمال على السياسة وانشغل يحي الفضلي، وزير الشؤون الاجتماعية، في تدابير لشق وحدتهم. ولم يتورع من طلب دعم بريطانيا في الخصوص كما نُشر اخيراً من الوثائق البريطانية.

وفي الضوضاء الباكرة حول الجنوب قدم الشيوعيون مشروعاً للحكم الذاتي للجنوب في 1954. وأدب الحركة الاجتماعية اليسارية في هذا الباب مثل حي لوعيها الفذ بمسألة تفكيك الدولة الاستعمارية التي جري تصميمها لرعايا لا لمواطنين. ونجد فيه، بعد نحو نصف قرن من الاستقلال، بذور المشروعات نفسها التي نتداولها الآن لبناء السودان الجديد.

وليس أدل على توقير الشيوعيين للاتحاديين من موقفهم من العاصفة التي هبت في منتصف 1956 على الحزب الاتحادي. وانتهت الي قيام حزب للأزهريين وآخر للختمية في يونيو 1956، وسقوط حكومة أزهري في يوليو 1956 بضربات لقاء السيدين، الميرغني والمهدي. وكانت خصومة الاتحاديين فاحشة. ذبح الختمية الكلاب في استقبال أزهري وأطلق الاتحاديون لسانهم في جريدة “النداء” عن سقوط القداسة على اعتاب السياسة.

وأحزن هذا الخلاف الشيوعيون. وسيظل أدبهم في تحليله مثلاً في زينة العقل الاستراتيجي والتكتيكي. فقد سمى الشيوعيون الانقسام “تفتيتاً” للمعسكر الوطني. وفي بيانهم “أين يقودنا الصراع بين السياسة والقداسة” عبر الحزب الشيوعي عن أسفه من عواقب خلاف السياسة والقداسة بين الاتحاديين. والتمس ان يجد الخصوم نقاط اتفاق مشترك لبناء وحدة وطنية تعزز استقلال الوطن. ونأي الشيوعيون بأنفسهم في انتخابات 1958 من ان يتبعوا الاتحاديين أو الختمية وظلوا يحثونهم معاً لبناء حلف وطني ضد الاستعمار يبدأ بعزل حزب الأمة.

وظل الحزب الشيوعي يلح في وجه دولة السيدين بقيام حكومة الإتحاد الوطني وفيها العمال والمزارعون لإنجاز مهام الاستقلال. وطالب بعد نصر حزب الأمة (أقل بقليل من نصف مقاعد البرلمان) في الانتخابات من جماهير الاتحاديين ان تضغط على قياداتها لرأب صدع الحزب.

هذا سجل تري فيه أن الحزب الشيوعي، وتحت رايته المستقلة، كان حفياً خفيفاً على الاتحاديين. ولكن ما نفعل مع من تبكيه الريشة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.