لماذا 23 عام الخروج من النفق؟

0 46

كتب: عثمان ميرغني

.

الذي أودى بالسودان وجرعه الفشل على مدى عقود منذ الاستقلال هو احتكار الحكمة وإحساس كل طرف من الأحزاب السياسية أنه يمسك بالحقيقة المجردة وما سواه يتيه في الضلال المبين.. ولكن بعد 67 سنة منذ الاستقلال ثم تجربة الحكم الانتقالي بعد انتصار ثورة ديسمبر أدرك الجميع إنهم كلهم أخطأوا.. وإن خير الخطائين التوابون..

كل حزب يحاول أن يحتكر السلطة والقرار.. ويجتهد في إقصاء الآخرين ولو كانوا يماثلونه في الفكر، ولكن ما أن يترتب على هذا الاحتكار الفشل الذريع حتى تبدأ رحلة الإنكار.. وهي للأسف أطول رحلة في التاريخ السياسي السوداني.. لو وجدت عزيزي القاريء- فرصة الاطلاع على كتابي “كيف أضاعوا السودان.. عشر مخاز سودانية” لوجدت أمثلة كثيرة لأحزاب وشخصيات “تركب الراس” وتصر على الانفراد بالرأي وما أن تقع الواقعة حتى تدبج الخطب والمرافعات بل وتؤلف عشرات الكتب التي تحاول أن تنكرما حدث وتعلق الخطيئة في عنق الآخر.. حتى ولو كان الآخر وهماً غير محدد الصفات والأسماء.

لكن الآن ، في عصر الفصضاءات المفتوحة التي تجعل كل مواطنة ومواطن في أي شبر من السودان حتى ولو كان في أقاصي الدنيا يتابع ويطلع على التفاصيل ويفتش وينقب لم يعد ممكناً ستر العورات السياسية.. وما أكثرها..

ولكن حتى نضمن أفضل النتائج لحالة الاقرار بالفشل التي تعم الجميع الآن، من الحكمة أن ينبري العقلاء الذين ترفعوا عن موائد السياسة احتراماً لأنفسهم، بعد أن رأوها تغوص في التلاعن والشتائم وخطاب الكراهية.. يجب على العقلاء أن يظهروا بل ويلتقوا ببعضهم ليشكلوا موجة تعافي شامل للمشهد السياسي..

ليس عيباً أن يرى عاقل في نفسه مرشحاً مؤهلاً لأي منصب .. فيقدم نفسه.. فكثرة التراجع وترك الفراغات سمح لآخرين لا يملكون القدرة ولا المؤهل فتقدموا الصفوف بل ورفعوا صوتهم وخطابهم في محاولة لطمس أي صوت آخر منافس..

ومهمة الإعلام الرشيد ، من اليوم، أن يدقق كثيراً في من يعتلون منابره.. بل وتفسح لهم الفرص ليفرضوا أنفسهم على مصير الوطن.. من الحكمة أن يتفق أهل الإعلام على النصاب الموجب لتسليط الضوء على من يستحق ذلك.. فقد فاض المسرح السياسي بالباحثين عن الأضواء على حساب الوطن والمواطن..

أجعلوا 23 عاماً فيه يغاث الناس وفيه يعصرون..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.