قضايا منسِيّة: علاج الصدمة النفسية (التروما)

0 103
كتب: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)
.
●إن الصدمة النفسية (التروما) واحدة من القضايا المهمة التي تؤثر علي الإنسان أو الجماعات لا سيما أولئك الذين تعرضوا لصدمات نفسية فظيعة ، فهي لا تتعلق بالمقاتلين فقط بل تشمل المواطنين والصحفيين والمصورين والمتطوعين وكافة المتواجدين في مناطق الحروبات ، وكذلك الأسري والمعتقلين وضحايا الحوادث والتعذيب والتعنيف الأُسري والصدمات العاطفية ، وخلافه.
●يعتبر السودان من أكثر دول العالم التي شهدت حروباً طويلة ، خلّفت وراءها جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، والملايين من الضحايا والمشردين ، والآلاف من الذين تعرضوا لصدمات نفسية (تروما) ولم يجدوا العلاج اللازم ، والمؤسف أن كل “إتفاقيات السلام” التي تم توقيعها لم تتناول هذه القضية المهمة ، ولم تنص على وجوب تأهيل ضحايا الحرب نفسياً عبر برامج ومراكز علاج وتأهيل متخصصة ، فإن علاج هؤلاء من آثار الحرب والدمار النفسي الذي تعرضوا له ، من الأهمية بمكان ، ومن المفترض أن يكون أمر علاجهم من أولي أولويات إتفاقيات السلام جنباً إلى جنب مع قضايا الترتيبات الأمنية والنازحين واللاجئين وتقاسم السلطة والثروة وغيرها من القضايا التي تتناولها ، فالسلام وبناء الدولة، المعني به من حيث المبتدأ هو  الإنسان ، فكيف يتحقق السلام والإستقرار وتُبني الدولة ، وجُل الشعب محطم نفسياً جراء الحرب أو غيرها؟!.
 ●تختلف أعراض الصدمة النفسية من شخص لآخر حسب طبيعته النفسية وقدرته على التحمل وسرعة نسيان ما تعرض له ، فمنهم من تظهر عليه أعراض الصدمة خلال أوقات قريبة وهناك من تظهر عليه بعد سنوات ، حيث تسيطر على الشخص المصاب الكوابيس والإضطرابات ، والأفكار السلبية عن النفس والآخرين والتشاؤم وإنفصام الشخصية والخوف والغضب والعزلة والتفكير في الإنتحار،  وإيذاء الآخرين بالأقوال أو الأفعال ، وسيطرة الخوف عليه.
●إن كثير من الناس يخجلون من وصمة الصدمة النفسية وفقاً لثقافة المجتمع التي تقوم على فكرة خاطئة عن “التروما”  فهي ليست جنوناً كما يعتقد البعض ، إنما صدمة نفسية يمكن أن يتعرض لها أي إنسان ، فمن الخطأ والجهل عدم الإعتراف بهذا الداء والإمتناع عن الذهاب لمراكز التأهيل والعلاج.
إذا نظرنا للحروب القبلية والعرقية وإستسهال قتل الإنسان لأتفه الأسباب ، دون إغفال لمبدأ تورط الجهات الحكومية في كثير منها ، وسيادة خطاب الكراهية العرقية والدينية والمناطقية، وتفشي ظاهرة العنصرية والجرائم الدخيلة على مجتمعاتنا ، أعتقد أن أغلبها يعود إلى متلازمة الصدمات النفسية وتروما الحرب وسلوك وممارسات السلطات ضد بعض المواطنين والمعارضين والخصوم السياسيين ، وما تعرضوا له من ظلم وتعذيب وإنتهاكات في السجون والمعتقلات ، أو بسبب الإقصاء والعنصرية المتجذرة في كثير من مجتمعاتنا التي ولّدت الغبن والكراهية في نفوس الكثيرين ولم يجد هؤلاء الإهتمام والعلاج اللازم من متلازمة الصدمات النفسية ، فتحولوا إلى دعاة للكراهية والعنصرية عبر منصات السوشيال ميديا وغيرها، فمثل هذه الخطابات النتنة لا يمكن أن تصدر من شخص متزن عقلياً ومتصالح مع ذاته…!!.
●لا شك أن الحروب تترك خسائر سياسية وإقتصادية تتأثر بها الدولة ولكن يمكن تعويضها ، أما علاج أولئك الذين تعرضوا للصدمات النفسية يحتاجون إلى وقت للتعافي وإهتمام من الدولة والمجتمع ومساعدة فعالة من المجتمع الدولي ، وأن تكون هذه القضية من ضمن منظومة السلام الإجتماعي ومعالجة آثار الحرب ، التي لم ولن تُعالج عبر الإتفاقيات والتسويات السياسية التي تُوقّع على الورق أمام الشهود الإقليميين والدوليين وكاميرات القنوات والتلفزيونات ، التي بموجبها يصبح الموقعون وزراء وولاة ، ويظل الشعب يعاني ، دون أن ينعم بالسلام والرفاه الموعودين أو يتعالج من آثار الحروب وتداعياتها المدمرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.