أزمة الإطاري..

0 59

كتب: عثمان ميرغني

.

عندما أذاع الفريق أول عبد الفتاح البرهان بيانه الشهير في 4 يوليو 2022 الماضي وأعلن التزام المؤسسة العسكرية بالخروج من الحكم والملعب السياسي، طالبت وظللت أكرر بضرورة اختبار هذا الالتزام بتوافق القوى المدنية على حكومة انتقالية لتستلم الحكم أولاً، ثم الحوار حول التفاصيل الدستورية لاحقاً.

وكانت الحجة التي ظلت تقدمها الحرية والتغيير “المجلس المركزي” أن المكون العسكري غير جاد، وإذا نفذ التزامه سيأخذ معه وزارة الخارجية وبنك السودان إلى داخل أسوار القيادة العامة، وسيُنَصِّب بديلاًعنه حكومة مدنية ضعيفة يتحكم فيها.

ومرت الأيام والشهور ودارت الحرية والتغيير من محطة إلى آخرى إلى أن رجعت إلى محطة التفاوض مع المكون العسكري لكن بمعادلة جديدة أقل كثيراً مما كان الحال عليه في يوليو 22، ثم تنقلت من صياغة وثيقة دستورية عبر اللجنة القانونية للحرية والتغيير إلى دستور نقابة المحامين ثم أخيراً و دون سابق إنذار ظهرت على السطح فكرة “الاتفاق الإطاري” ..

ورغم كل شيء وضياع وقت ثمين وفرصة أثمن لكنني دعوت مرة أخرى لعدم البكاء على اللبن المسكوب والتمسك بالعملية السياسية التي دُشنت بتوقيع الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر 2022 بالقصر الجمهوري وحضور دولي وسياسي رفيع.. بل وكتبت هنا أكثر من مرة أدعو القوى السياسية للتوقيع على الإطاري دون حتى النظر لتفاصيله ونصوصه لأن المحك في هذا الاتفاق ليس ما ورد فيه، بل النتيجة التي يجب أن يبلغها وهي إنهاء الفترة الانقلابية واستعادة الفترة الانتقالية..

ولكن للمرة الألف.. تجيد القوى السياسية –من كل الأطراف- تضييع الفرص لإخراج البلاد من النفق المظلم.. فتحول الاتفاق الإطاري من خطوة تفتح الباب نحو الاستقرار السياسي إلى نافذة تفتح على جهنم سيناريوهات الرعب التي قد تشتعل من جمر نار الاستقطاب الخطير الذي يتسارع الآن..

البرهان في منبر جماهيري قبل أيام قليلة قال أن العملية السياسية لن تمضي بلا توافق سوداني.. قبل أن تبرد تصريحاته أصدر نائبه الأول دقلو بياناً يبدو في ظاهره كأنه رد على البرهان و إشهار لموقف نقيضه..

وقبل أن يختفي صدى بيان دقلو إذا بالفريق أول شمس الدين الكباشي عضو مجلس السيادة الذي ظل صامتاً لقرابة العامين.. يتحدث علناً ومن جنوب كردفان وطبيعي أن ينصر قائده البرهان وبعبارات قوية قائلاًأن الجيش لن يحمي دستوراً لم تتوفر له القاعدة السياسية الكافية.

وبين هذه المواقف المتضاربة للعسكريين سيصبح الصيد في الماء العكر سهلاً لمن يرغب، داخلياً أو خارجياً، خاصة إذا كان الصياد يجيد لعبة “المديدة حرقتني”.!

في ظل هذا المشهد المتأزم يصح السؤال .. على أي مكاسب يتصارع المتنافسون؟ فمثل هذا الوضع لن يفوز فيه أحد..

من الحكمة النظر للمصالح الوطنية بمعيار أوسع من هذه المعارك الضيقة..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.