أكذوبة أن السودان جنح إلى العرب وتغاضى عن أفريقيا: بس لو كانت عادة القراءة فاشية فينا 

0 79

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

(وامغستي الشديدي. ما بتقرو وحنكم قوي)

 

من أكثر ما أحزنني في خطاب ناقدي الهيمنة “الاسلاموعربية” قولهم إن المهيمنين ميزوا العالم العربي في الصلة وأهملوا شان أفريقيا جنوب الصحراء. وهذا القول إما ضغينة سياسية أو هو محض سوء اطلاع على تاريخ علاقات السودان. ولا شفاء بالطبع لأهل الكيد. أما من قعد بهم اطلاعهم دون حقيقة تلك العلاقة فبوسعهم استدراك غفلتهم بقراءة “السودان والأفريقانية” للمرحوم عبد الهادي الصديق. وهو كتاب نظر فيه في ملفات وزارة الخارجية التي كان سفيراً بها. وسيخرج القارئ بصورة طيبة من عناية السودان بالشاغل الأفريقي.

لم يبدأ شاغل السودان بأفريقيا مع الاستقلال بالطبع. فقد كان التحرر الأفريقي بنداً مقدماً في نضال السودانيين الشماليين بدرجات تفاوتت. وتلك قصة اخري. أما الدولة، علي تعاقب النظم، فقد ظلت تلتزم نهج الالتزام بمسائل افريقيا كما فصله عبدالهادي. وكانت لها كبوات حين وجدت نفسها في حلف استعماري في الكنغو في 1960 أزهق حياة زعيم الكنغو الشهيد باتريس لوممبا (1960) مما حكاه العقيد محمد محجوب حضرة في كتاب جيد. وقد احتج الشعب على انسياق الحكومة هذا في مظاهرات مشهودة. ونهضت حكومة أكتوبر 1964 بدعم ورثة لوممبا ومنحتهم حق اللجوء السياسي ومررت لهم العون المصري والجزائري.

وكان دور السودان ضد نظام الفصل العنصري شديداً. فقد احتفلت أفريقيا بعيد استقلالنا الثاني بعقد اجتماع اتحاد كرة القدم الافريقي في الخرطوم واستبعدت جنوب أفريقيا من المنافسة لعنصريتها في الرياضة. وأعلن السودان في مؤتمر قمة افريقيا اغلاق مطاراته في وجه طائرات جنوب افريقيا وبريطانيا. كما التزم بتدريب المناضلين السود على أرضه. وزاره مانديلا قبل اعتقاله في1962 لدراسة هذه الترتيبات. وفتح الكلية العسكرية لمجاهدي أنغولا ونامبيا. وجعل مساهمته لقوي التحرر الأفريقية في 1970 بنداً في الميزانية العامة ورفعها الي 50% من السابق.

وقد ذكر ذلك للسودان رئيس ناميبيا سام نجومي في أول خطاب رسمي ذكر أياماً له بفندق الأكربول وكيف ضمه السودان الي وفده ليعرض قضيته بعد ان أعيت السودان الحيلة ليقنع الامم المتحدة بقبول مندوب لحركة نجومي مراقباً في الامم المتحدة.

كما ذكر أيدي السودان الأفريقية اغوستينو نيتو، رئس انغولا الأسبق، الذي خطب يوماً في الخرطوم قائلاً “لا احتاج أن اذكر الحضور الكريم بعون السودان للمناضلين في انجولا وبقية بلدان افريقيا. يكفيني القول أن طبقة الضباط المتنفذة في بلدي اليوم قد تلقت تدريبها العسكري في كلية السودان الحربية.” ومن أطرف ما أعان به السودان مجاهدي انغولا هو قطيع من الحمير التي أخرس البيطريون نهيقها لتعين في ترحيل معداتهم دون ان يصدر عنها صوت ينبه العدو. كما زار يعقوب قاوون السودان ليشكر له وقفته الي جانب وحدة نيجريا والامكانيات العسكرية التي وضعتها تحت تصرف الجيش النيجيري.

واشتغل السودان بنضال روديسيا الجنوبية. فحين أعلن إيان سميث، المستوطن الأبيض، استقلال القطر من انجلترا من جانب واحد (1965) لينفرد البيض بالحكم دعا السودان الي استخدام القوة لرد الحق الافريقي في قمة افريقية طارئة. وقطع علاقته مع بريطانيا لموقفها المجهج من حقوق السود في روديسيا من 1965 الي 1966. ودرب عناصر حزب زانو، ووفر لهم الباسبورتات وأوراق الهجرة وعلاج الجرحى. وحين ضايق إيان سميث زامبيا لعونها نضال زانو طلب السودان من منظمة الوحدة الافريقية ان تعين زامبيا لتحمل العقوبات التي فرضت عليها.

وهذا غيض من فيض من علم كتاب عبد الهادي. رحم الله صانعه وقبل بسفره صدقة جارية لروحه الباحثة.

المرحوم عبد الهادي الصديق الدبلوماسي والناقدالأدبي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.